للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه على ما تم من إحراق كتابه بقرطبة، ودعائه " أن يمزق الله ملكهم كما مزقوه، وأن يذهب دعوتهم كما أحرقوه ". بيد أننا سوف نرى فيما بعد، عند الكلام على نشأة ابن تومرت وظهوره، بطلان هذه القصة، وما يحيط بها من المتناقضات المنطقية والزمنية.

- ٥ -

ولم يمض قليل على استرداد المرابطين للجزائر الشرقية حتى عبر أمير المسلمين علي بن يوسف البحر إلى الأندلس للمرة الثالثة منذ جلوسه، وذلك في أواخر المحرم سنة ٥١١ هـ الموافق لشهر مايو سنة ١١١٧ م (١)، أعني في بداية الصيف، وهو الفصل المفضل للعبور والجهاد، على نحو ما وقع في الجواز الثاني. وفي روض القرطاس أن هذا العبور قد وقع سنة ٥١٣ هـ، بعد سقوط سرقسطة وقواعد الثغر الأعلى، وأنه هو الجواز الثاني لأمير المسلمين، وهو تحريف واضح في التاريخ والوصف. ولا تقدم إلينا الرواية الإسلامية عن هذا الجواز، وما اقترن به من الحوادث تفاصيل شافية، ويكتفي صاحب الحلل الموشية وابن الخطيب كلاهما، بالإشارة إليه في كلمات عابرة. ولكن صاحب روض القرطاس وابن عذارى يقدمان لنا عنه بعض التفاصيل. وفي الرواية الأولى، أن علياً جاز إلى الأندلس برسم الجهاد وإصلاح شئونها، وجازت معه جموع غفيرة من المرابطين والمتطوعة من العرب وزناتة والمصامدة وسائر قبائل البربر، وأنه سار في قواته صوب قرطبة وعسكر خارجها، فأتته الوفود للسلام عليه، ووقف منها على أحوال البلاد، وكان من تصرفاته عندئذ، أن عزل القاضي أبا الوليد بن رشد (الجد) عن قضاء قرطبة، وولى مكانه أبا القاسم ابن حمدين (٢). ولكن سوف نرى أن هذا التصرف قد وقع في مناسبة لاحقة. أما ابن عذارى فإنه يقول لنا، إن علياً قصد عند عبوره إلى مدينة إشبيلية، وهناك لحقت به العساكر العدوية والأندلسية، وقصدت إليه وفود العلماء والفقهاء والمجاهدين من قرطبة، وكذلك جموع المتطوعة من غرناطة. وأما ما يتعلق بغزوات على في هذا الجواز، فتتخلص في أنه سار في قواته نحو أراضي البرتغال، وغزا قُلُمرية (ويسميها صاحب روض القرطاس سنبرية،


(١) الحلل الموشية ص ٦٢، وابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ١٤٧، والبيان المغرب (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر- هسبيرس ص ٧٩).
(٢) روض القرطاس ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>