للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في رجب، ولم يكن مضى على ولاية ثعلبة سوى عشرة أشهر، فقبض في الحال على زمام السلطة. وأفرج عن جموع الأسرى والسبايا، التي اعتزم أن يزهقها وينكل بها ثعلبة، واهتم برد السكينة والنظام، وإخماد شوكة الزعماء الخارجين، ففرق الشاميين في مختلف الكور تمزيقا لعصبتهم، وأنزل جند الشام بإلبيرة (غرناطة)، وجند حمص بإشبيلية ولَبْلة، وجند فلسطين بشذونة والجزيرة، وجند الأردن برَيُّه، وجند قنسرين بجيان، وجند مصر بعضهم في أكشُونبة وباجة والبعض في تدمير. ونذكر أن ولاية تدمير (مرسية) كانت قد تركت عند الفتح لصاحبها تيودمير، وفقا للمعاهدة التي عقدت بينه وبين عبد العزيز بن موسى (١)، ولكن تيودمير كان قد توفي، وخلفه في حكم الولاية ولده أتاناجلد. واعتبر أبو الخطار أن نص المعاهدة، كان قصرا على تيودمير، وأنه لا يسري على خلفائه، وطالب أتاناجلد بتأدية الجزية لحكومة قرطبة، وأنزل جند مصر قسرا بقواعد تدمير، وأقطعهم أراضيها، وبذلك فقد القوط آخر معاقلهم الحرة في الجنوب، وضمت تدمير إلى باقي ولايات الأندلس، تحت سلطان الحكومة المركزية (٢). وتتبع أبو الخطار الزعماء الخارجين، فقبض على ثعلبة ونفاه إلى إفريقية مع نفر من زملائه، وأعلن أمية وقطن ابنا عبد الملك الطاعة، وتفاهما مع أبي الخطار، فولاهما حكم بعض الولايات الشمالية. أما عبد الرحمن بن حبيب فاستطاع أن يتقي المطاردة وفر إلى تونس، وهناك أقام حينا يرقب الحوادث، حتى سنحت له فرصة الوثوب وانتزاع إمارة إفريقية من حنظلة ابن صفوان على ما سيجىء. وأما عبد الرحمن اللخمي فلبث مستقلا برباط الثغر في أربونة وما جاورها.

وسلك أبو الخطار في البداية سبيل الحزم والاعتدال، وسوى بين جميع القبائل في المعاملة، فرضى الجميع واجتمعت الكلمة على تأييده وطاعته، وسكنت الفتنة واستقر النظام حينا. ولكن نزعة العصبية ما لبثت أن حملته كما حملت أسلافه من قبل، فمال إلى قومه اليمانية، وتنكر لخصومهم من المضرية، واضطرمت الأحقاد


(١) أوردنا نص هذه المعاهدة في ص ٥٥ و٥٦ من هذا الكتاب. وراجع في توزيع القبائل على الكور، ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٤٦. وكذلك: Conde: ibid, V.I. P. ١١٢.
(٢) Conde: ibid, quot isodorus,V.I.P. ١١٢ (note) وكذلك Aschbach: ibid.v.I.P.٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>