للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على صحة هذه النسبة يجعلها في نظرنا أقوى وأرجح. وإذن فيوسف بن عبد الرحمن خاتمة ولاة الأندلس هو ولد عبد الرحمن بن حبيب، الذي تتبعنا أخباره فيما تقدم خلال الحروب الأهلية، التي اضطرمت منذ قدوم بَلْج القشيري إلى شبه الجزيرة. وقد أسلفنا أنه فر إلى تونس اتقاء لنقمة أبي الخطار، وهنالك لبث يرقب الحوادث مدى حين، فلما جاءت الأخبار إلى إفريقية بمقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك (في جمادى الآخرة سنة ١٢٦)، رأى عبد الرحمن الفرصة سانحة للعمل، فدعا أنصاره وحشد جموعه لقتال حنظلة بن صفوان والى إفريقية، وزحف على القيروان، وخشى حنظلة عاقبة الفتنة، فانسحب مع أصحابه إلى الشام دون قتال، ودخل عبد الرحمن القيروان (سنة ١٢٧ هـ) وأعلن ولايته لإفريقية، وأيدته المضرية، وبعث إلى الثغور عمالا من أقاربه وأنصاره. ولم يختر يزيد بن الوليد، الذي ولى الخلافة عقب مقتل أبيه، والياً لإفريقية نزولا على حكم الواقع. فلما خلفه مروان بن محمد بعد ذلك بأشهر، كاتبه عبد الرحمن وهاداه وأظهر له الطاعة فأقره على ولايته (١). ولبث عبد الرحمن مستقلا بحكم إفريقية أكثر من عشرة أعوام، وفي عهده وقعت بإفريقية ثورات وقلائل كثيرة، فأخمدها جميعاً وغزا صقلية وسردانية. ولما دالت دولة بني أمية أعلن الطاعة لبنى العباس، ودعا لهم بإفريقية. ولكنه لم يلبث أن قتل غيلة في شهر ذي الحجة سنة ١٣٨ (٧٥٥ م). وأما ابنه يوسف فقد فر منه مغضباً لأمور نقمها عليه، ودخل الأندلس يبحث وراء طالعه في حوادثها، وكان مثل أبيه فارساً هماماً وخطيباً مفوهاً (٢). فلم يلبث أن ظهر بين أنجاد المضرية وسادتهم، ولازم الصميل وصادقه حتى عظم نفوذه، وانتهي بأن ظفر بإمارة الأندلس في ربيع الثاني سنة ١٢٩، وهو يومئذ في السابعة والخمسين من عمره.

وكانت مصاير الخلافة الأموية تهتز يومئذ في يد القدر، وقد شغلت بما يواجهها من خطر الفناء الداهم عن حوادث الأندلس، فلم تحاول تدخلا أو اعتراضا على ما يحدث في ذلك القطر النائي، ولم يكن يوسف بحاجة إلى مصادقة أو مراجعة.


= ص ٦١. ويقر ابن عذاري هذه النسبة أيضا (البيان المغرب ج ٣ ص ١٠٧) وكذلك صاحب أخبار مجموعة (ص ٢١).
(١) البلاذري في فتوح البلدان ص ٢٣٣.
(٢) نفح الطيب (عن الرازي) ج ٢ ص ٦١، وابن الأبار في الحلة السيراء ص ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>