للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفد عندئذ إلى شرقي الأندلس والياً لمرسية (١). ولكن الظاهر أنه قدم إليه بصفة قائد للجيوش المرابطية، وأنه لم يتشح بثوب الولاية إلا فيما بعد، حينما توفي يدِّر في سنة ٥٣٤ هـ (٢).

وهو الأمير أبو زكريا يحيى بن علي بن غانية الصحراوي، الذي لعب فيما بعد في حوادث الأندلس في أواخر العهد المرابطي، أعظم دور، واضطلعت أسرته - بنو غانية - فيما بعد، في الجزائر الشرقية، وفي إفريقية، ضد الموحدين، بأخطر صراع. وقد سُمِّي بنو غانية، باسم أمهم غانية، وهي لمتونية من قرابة يوسف بن تاشفين، وربما كانت تسميتها بهذا الإسم دلالة على أصلها الإقليمي، أو بعبارة أخرى نسبة إلى بلاد غانة، وهي التي افتتحها المرابطون عند مطلع نهضتهم في مشارف الصحراء الكبرى. وتلقيب الولد باسم الأم دون الأب، من الأمور الذائعة في أسر لمتونة، خصوصاً متى كانت الأم تمتاز بصفاتها وخلالها العالية. ولدينا من ذلك أمثلة أخرى، مثل الأمير محمد بن عائشة، ولد يوسف ابن تاشفين، والقائد محمد بن فاطمة. وكان والد يحيى، علي بن يوسف، من زعماء قبيلة مسُّوفة أحد بطون صنهاجة. وربى يحيى وأخوه محمد، الذي ولي حكم الجزائر الشرقية فيما بعد، في بلاط مراكش، في عهد يوسف وولده علي، ثم عبر إلى الأندلس وهو فتى، وعاش في كنف الأمير أبى عبد الله محمد بن الحاج اللمتوني، والي قرطبة في أواخر عهد يوسف، وتزوج أمه غانية بعد وفاة أبيه على، فندبه لحكم مدينة إستجّة، فكانت أول ولاية أسندت إليه. ولما تولى علي بن يوسف الأمر بعد أبيه، عزل ابن الحاج عن ولاية قرطبة، لانضمامه إلى الخوارج عليه، المناصرين لابن أخيه يحيى بن أبى بكر والي فاس، وقد ذكرنا خبر خروجه في بداية حكم علي وفشل ثورته، فانفصل عندئذ يحيى بن غانية عن ابن الحاج وجماعته. ثم عفا عليٌّ عن ابن الحاج وغيره من القادة الموالين ليحيى، وعيّن ابن الحاج لولاية المغرب مكان أخيه أبى الطاهر تميم بن يوسف، الذي وُلِّي حكم الأندلس، ثم نُدب ابن الحاج بعد ذلك لولاية بلنسية، ومنها سار إلى سرقسطة، وقد فصلنا أخباره وغزواته فيما تقدم.

ولسنا نجد في الأعوام التالية، أثراً لأخبار يحيى بن غانية، بين مختلف


(١) ابن عذارى في البيان المغرب (الأوراق المخطوطة هسبيرس ص ٨١).
(٢) ابن الخطيب في الإحاطة (مخطوط الإسكوريال رقم ١٦٧٣ الغزيري) لوحة ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>