للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القواعد والمعاقل كلها خلا أربونة، فإنها لبثت بيد المسلمين أعواماً أخرى. ولم يستطع الجيش الذي سيره يوسف إلى الشمال، أن يحقق الغاية المنشودة، بل رد بخسارة فادحة وقتل قائده سليمان بن شهاب، ونجا الحصين العقيلي وفرسانه بصعوبة (١). وترك الشمال لمصيره، واستغرقت الثورات والحروب الداخلية اهتمام يوسف وكل نشاطه وموارده.

ذلك أن الأحقاد والمنافسات القديمة التي هدأت حيناً بتولية يوسف، عادت فاضطرمت حين استأثر يوسف وحليفه الصميل بكل سلطة وولاية، وكان المفهوم أن ولاية يوسف لإمارة الأندلس إنما هي حل مؤقت لحالة طارئة حتى يأتي الأمير الشرعي الذي يختاره الخليفة، ولكن الخلافة الأموية لقيت مصرعها غير بعيد (١٣٢هـ - ٧٥٠م)، وتفاقم الاضطراب الذي سرى إلى شئون إفريقية والأندلس قبل ذلك بأعوام، وأصبح تراث الخلافة الأموية نهباً مباحاً لكل طامع ومتغلب.

وكان بالأندلس عدة من الزعماء النابهين ذوى الجاه والعصبية، ينقمون من يوسف والصميل استئثارهما بالسلطة، ويرى كل منهم أنه أولى بها وأجدر، وكان يوسف يعمل من جهة أخرى لتوطيد سلطانه في ذلك القطر البعيد، الذي رفعه القدر إلى ولايته ورياسته، والذي يضارع بضخامته وأهميته ملكاً عظيماً. وكان أقوى أولئك الخصوم والزعماء المنافسين ليوسف، عبد الرحمن بن علقمة اللخمي حاكم ثغر أربونة الملقب " بفارس الأندلس " تنويهاً بفائق شجاعته (٢). وكان قد اشترك في الحرب الأهلية قبل ذلك بأعوام حسبما قدمنا. ثم ارتد بجنده إلى أربونة، واستعصم بها يرقب الحوادث والفرص. فلما تولى يوسف إمارة الأندلس، واضطربت شئون الشمال، أخذ يدبر العدة لعبور البرنيه ومحاربة يوسف، ولكن لم يلبث أن اغتاله بعض أصحابه وحملوا رأسه إلى يوسف، وتمت هذه الخيانة بوحي يوسف وتحريضه على الأرجح، وانهارت تلك المحاولة في مهدها (٣). وخرج على يوسف في إشبيلية يوسف بن عمرو بن يزيد الأزرق، وكثر جمعه وقوى أمره، فزحف إليه يوسف وقاتله حتى هزمه وقتله. وخرج عليه في باجة عروة بن الوليد


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٥٨. وكذا Conde: ibid, V.I.p ١٢٧ و Aschbach:ibid,V.I.p. ١٠٢ ويضع صاحب أخبار مجموعة تاريخ هذه الحملة بعد ذلك بنحو عامين ص ٧٦ و٧٧.
(٢) ابن القوطية ص ٤٣.
(٣) المقري عن ابن حيان ج ٢ ص ٦٢، والبيان المغرب ج ٢ ص ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>