للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد عنى سراً بتحفيظ القرآن للبشير، فاستعرضه أمامهم، وقرأه عليهم في أربعة أيام، وركب أمامهم حصاناً فأتقن ركوبه، ثم قال لهم المهدي، إن البشير هذا مطلع على الأنفس محدث، وأنه يوجد إلى جانب الموحدين، أقوام منافقون، وقف البشير على دخيلتهم، وأنه لابد من النظر في أمورهم حتى يتم العدل (١).

وفي العامين التاليين، وقعت بين الموحدين والمرابطين بضعة معارك، يصعب استجلاء تفاصيلها. وكان علي بن يوسف قد بعث جيشاً ليحاول اقتحام تينملل معقل المهدي ففشل وهزم. وكانت خطة المهدي، أن يلتزم الدفاع في معاقله الجبلية الوعرة، وألا يهبط إلى السهل، ليحمل أعداءه المهاجمين أن يصعدوا إليه إذا شاءوا قتاله (٢)، وكانت هذه الخطة تكبد المرابطين مشقات جمة، وكان الفشل مصيرهم دائماً كلما حاولوا القيام بدور الهجوم.

وفي سنة ٥٢٠ هـ بدأ المهدي في تنفيذ خطته من الاضطلاع بالهجوم، وغزو لمتونة على نطاق واسع، فبعث جيشاً ضخماً من الموحدين بقيادة أبى محمد البشير، فغزا بهم أراضي كيك شمالي تينملل وغربي أغمات، فبعث علي بن يوسف لردهم جيشاً كبيراً حسن الأهبة، بقيادة أخيه الأمير أبى الطاهر تميم، فالتقى الجمعان على مقربة من جبل كيك، فوقعت الهزيمة على المرابطين، وجد الموحدون في مطاردتهم حتى جبل وريكة قبلي أغمات، فلقيتهم هناك قوات مرابطية جديدة بقيادة أبى بكر بن علي بن يوسف، وقيل بقيادة يطي اللمتوني، وجموع غفيرة من أهل أغمات وغيرهم، فانهزم المرابطون مرة أخرى، ووصل الموحدون في زحفهم إلى أسوار مراكش، ثم ارتد قائدهم البشير بقواته عائداً إلى الجبل، وأمر علي بن يوسف أن تسد جميع الطرق الصاعدة التي ينزل منها الموحدون من الجبال إلى السهل، حتى يعرقل بذلك نزولهم، ويتقي حرب المفاجأة التي درجوا عليها (٣). وكان خلال الأعوام الثلاثة التي قضاها المهدي بجبل إيجليز قد عهد بحراسة طرق الجبل إلى الفلاكي الأندلسي، وهو مغامر وقاطع طريق من أهل إشبيلية، كان قد ذاع صيته، وتاب ودخل خدمة الأمير، فقام بمهمته خير قيام، وأقام


(١) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السالف الذكر لوحة ٤٩ أوب).
(٢) أخبار المهدي ابن تومرت ص ٧٥.
(٣) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السالف الذكر) وابن عذارى في البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ٨٧)، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>