للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما يقوله ابن القطان عن حملة غياثة. وربما اختلط عليه القول هنا بأخبار حملة موحدية أخرى. ونحن على أي حال نفضل الأخذ برواية البيذق، وهو معاصر وشاهد عيان.

يقول البيذق إنه لما هدأت الرياح، وبدأ الربيع، استأنف الموحدون زحفهم. ويمضي البيذق، وقد كان من شهود هذه الحملة الشهيرة، فيصف لنا سير عبد المؤمن نحو الشمال تفصيلا. وكان أول موضع قصده الموحدون عندئذ، أرض لُكاي الواقعة شمالي شرقي فاس، في منتصف المسافة بينها وبين البحر المتوسط. وهنالك استولوا على قلعة الولجة من حصونها. وسار المرابطون بقيادة تاشفين والربرتير في أثر الموحدين، وحاولوا تطويقهم في أرض بني سلمان، ولكن الموحدين أحبطوا هذه الحركة بالسير إلى أرض بني غُمارة، من بطون صَنهاجة، الذين انضموا إليهم، ودخلوا في طاعتهم، ثم جازوا منها إلى أرض لُجاية. وعندئذ سار تاشفين والربرتير إلى أرض بني تاودا ونزلوا بها، فكان بينهم وبين الموحدين نهر ورغة وواديه .. وهنا خرج الربرتير في قوة مختارة من المرابطين والجند النصارى، واشتبك مع الموحدين في موضع يقال له تازغدرا، في معركة عنيفة، قتل فيها كثير من الفريقين، ثم ارتد الربرتير إلى بني تاودا، وسار الموحدون إلى تاغزوت، ثم إلى بني مزكلدة، ثم إلى إيلانة ثم إلى أيجن على مقربة من القصر الكبير. وسار تاشفين والربرتير في أثر الموحدين حتى موضع قريب من المعسكر الموحدي يسمى " نهليط ". وفي أيجن مرض عمر أزناج (أصناك) أحد الجماعة العشرة، ولما شعر بدنو أجله، قام فوعظ الموحدين وعظاً طويلا، وحثهم على طاعة الخليفة عبد المؤمن، ثم توفي مساء ذلك اليوم.

وسار الموحدون بعدئد إلى تامقريت، ثم إلى وادي لو، أرض بني سعيد، وسار الربرتير في أثرهم حتى وصل إلى تيطاوين (تطوان)، فارتد الموحدون نحو الشمال حتى قلعة باديس الواقعة على شاطىء البحر المتوسط، ودخل في طاعتهم أهل تلك الأنحاء، ثم ساروا بعد ذلك إلى ثغر المزمّة (١)، في شرقي باديس ونزلوا به أياماً، هبت عليهم فيها رياح شديدة، كادت أن تهلك دوابهم، فسماها عبد المؤمن تاغزوت، ثم أقلع عنها إلى جبل تمسامان (٢).


(١) المزمة هي التي تسمى في الجغرافية الحديثة محرفة " الحُسيمة " Alhucemas.
(٢) أخبار المهدي ابن تومرت ص ٩٢ و ٩٣، والبيان المغرب في الأوراق المخطوطة السالفة الذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>