واستغل الشيعة هذه العاطفة لبثِّ دعوتهم وتدعيم قضيتهم، وحشد العناصر الناقمة في صفوفهم. وكان اضطرام العصبية والخلافات القومية من جهة أخرى، يعمل عمله لتمزيق روابط هذه الإمبراطورية الشاسعة. ففي إفريقية كانت ثورات البربر القومية، تستنفد قوى الخلافة ومواردها بلا انقطاع، وكان الخلاف بين العرب والبربر في الأندلس، يهدد مصير الإسلام والخلافة في ذلك القطر النائي، ويفت في عضد الزعماء والقادة، ويبعث الاضطراب والوهن إلى صفوف الغزاة. وكان العرب أنفسهم قدوة سيئة في تفرق الرأي والكلمة. فكانت المعركة الخالدة بين مضر وحمير، وبين مختلف القبائل والبطون، تمزق أوصال الوحدة العربية، وتقوض دعائم هذه العصبية القومية، التي دفعت يوم اتحادها وتماسكها، سيل الفتوح الإسلامية إلى أقاصي المشرق والمغرب.
كانت الخلافة الأموية تسيطر على دولة عظيمة مترامية الأطراف. ولكن سلطانها الحقيقي كان محدود المدى داخل هذه الإمبراطورية الشاسعة، وكان فوق ذلك يقوم على دعائم مضطربة. وفي ذلك ما يفسر تلك الظاهرة التي يعرضها سقوط الدولة الأموية. فبينا هي تبدو في أوج قوتها وفتوحها، إذ بها تنهار فجاة، وتبدو في الحال مظاهر ضعفها وتفككها، ويبدو ما كان يحيط بسلطانها الشاسع من عوامل مصطنعة، وما كان يهدده من عوامل الهدم الخفية، المعنوية والنفسية. وكانت هذه العوامل الخفية في الواقع أخطر ما يهدد سلطان بني أمية، فإن تلك الأحقاد المرة التي أثارتها السياسة الأموية في نفوس خصومها، كانت تسري وتجيش، وتحيط ملك بني أمية بسياج خطر من الحفيظة والبغض. وكانت هذه الخصومة الخطرة التي يغذيها ظمأ الانتقام، هي عماد الدعوة الشيعية التي لبثت تشق طريقها منذ مقتل عليّ، ثم مقتل بنيه من بعده. ثم تأثلت هذه الخصومة وتوطدت منذ أوائل القرن الثاني من الهجرة. واستطاع الشيعة أن يظهروا في النواحي، ولاسيما في العراق وخراسان، وأن يدبروا عدة ثورات محلية خطيرة. وقد أخمدت هذه الحركات الأولى في سيل من الدماء. ولكن القمع كان يذكي النضال، وإراقة الدم تذكي ظمأ الانتقام. ولم تكن المعركة متكافئة من الوجهة المادية، فلم يك للشيعة جيوش منظمة أو موارد يعتد بها، ولكن خطر المعركة كان يجثم في نواحيها المعنوية. واشتد هذا الخطر حينما ضعف أمر العمال في