للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما تغلب المصامدة على الملك، تمموا جلب ذلك الماء إلى داخل المدينة، وصنعوا به سقايات بقرب دار الحجر، وهي الحظيرة التي فيها القصر منفرداً متحيزاً بذاته، والمدينة بخارج هذا القصر، وطولها أشف من ميل، وعرضها قرب ذلك، وعلى ثلاثة أميال من مراكش نهر لها يسمى تانسيفت، وليس بالكبير لكنه دائم الجري (١).

وفي نفس الوقت الذي افتتحت فيه مراكش، دخل الموحدون قصبة تِلِمسان، وذلك في الخامس عشر من شوال سنة ٥٤١ هـ، أعني قبل سقوط مراكش بثلاثة أيام. ووفد على عبد المؤمن عندئذ من أشياخ الموحدين، يحيى بن إسحاق المسّوفي المعروف بأنجمار أمير تلمسان السابق، وكان قد دخل في طاعة الموحدين، فشمله عبد المؤمن برعايته، واحتُرمت داره وزوجته زينب بنت علي بن يوسف، وسائر أصحابه وأسرهم (٢).

وحدث خلال وجود عبد المؤمن بمراكش أن قدم عليه من الأندلس وفد إشبيلية وعلى رأسه القاضي أبو بكر بن العربي المعافري، بعد مقتل ولده عبد الله في حوادث إشبيلية، والخطيب أبو عمر بن الحجاج، وأبو بكر بن الجد الكاتب، وأبو الحسن الزهري، وأبو الحسن ابن صاحب الصلاة، وغيرهم من زعماء إشبيلية ووجوهها، فاستقبلهم عبد المؤمن، وألقى القاضي أبو بكر وبعض زملائه بين يديه خطباً بليغة، ورفعوا إليه بيعة أهل إشبيلية مكتوبة بخطوطهم، فاستحسن عبد المؤمن موقفهم، وقبل طاعتهم، وأغدق عليهم الجوائز والصلات، وكان ذلك في أوائل سنة ٥٤٢ هـ. ولما عاد الوفد إلى الأندلس، توفي القاضي ابن العربي، خلال الطريق، ودفن بفاس في جمادى الآخرة من نفس السنة. وكان مقدم هذا الوفد البارز، وهو يمثل أعظم حواضر الأندلس، من الدلالات الواضحة، على تحول ولاء الأندلس بسرعة، إلى جانب الموحدين. وكان له أثره فيما بعد، في إيثار الموحدين لإشبيلية، واتخاذها حاضرة الأندلس في عهدهم (٣).


(١) وصف المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس (المأخوذ من كتاب نزهة المشتاق) للإدريسي (طبعة دوزي) ص ٦٨، ٦٩.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث - ص ٢٥.
(٣) الحلل الموشية ص ١١١ و ١١٢، والزركشي في تاريخ الدولتين ص ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>