للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الملك في سنة ١١٨ هـ، فكفله وأخوته جدهم هشام (١). ولما انهار صرح الخلافة الأموية، وأمعن الظافر في مطاردة بني أمية، فر عبد الرحمن بأهله وولده إلى ناحية الفرات، وحل هناك ببعض القرى واختفى بها حيناً يدبر أمره، ولكن جند المسوّدة ما لبثت أن حلت بتلك الجهة تستقصي آثار بني أمية، فبادر عبد الرحمن بالفرار. وتنقل إلينا الرواية على لسانه قصة مؤثرة عن حوادث فراره، وتصف لنا كيف أدركته خيل المطاردين على ضفة النهر مع أخيه الصبي، فوثبا إلى النهر واستطاع عبد الرحمن أن يقطعه سباحة إلى الضفة الأخرى، ولكن الغلام عجز عن قطعه وعاد إلى الضفة الأولى، حيث وعده المطاردون بالأمان، ولكنه ما كاد يقع في أيديهم حتى انقضوا عليه وقطعوا رأسه أمام عينى أخيه، وقلبه يتفطر روعة وأسى (٢). ولما أن أمن عبد الرحمن خطر مطارديه، سار مختفياً إلى الجنوب، قاصداً إلى المغرب. وتقول لنا الرواية أيضا، إن المغرب كان مقصده منذ الساعة الأولى، وإن نفسه كانت تحدثه بما سيكون له في الأندلس من شأن، وإن بني أمية كانوا قبل مصرعهم، يهجسون بمثل هذه النبوءة ويرددونها (٣).

واخترق عبد الرحمن فلسطين ومصر، ولحق به مولياه بدر وسالم، أنفذتهما إليه أخته أم الأصبغ بشىء من المال والجوهر، تم جاز إلى برقة والتجأ إلى أخواله بنى نفزة، وهم من برابرة طرابلس، وكانت أمه بربرية منهم تدعى راح، وأقام لديهم طويلا يرقب الفرص. والظاهر أن محاولة الاستيلاء على إفريقية لم تكن بعيدة عن ذلك الذهن الجرىء المغامر، وقد كانت إفريقية في الواقع منذ ربع قرن مطمح الخوارج والمتغلبين. وكان عبد الرحمن بن حبيب الفهري قد انتزعها لنفسه في سنة ١٢٧ هـ، ولما دالت دولة بني أمية دعا لبني العباس كما قدمنا، ولكن الفتى الأموي لم يجد على ما يظهر أية فرصة للعمل في هذا السبيل. وكان عبد الرحمن ابن حبيب يخشى على سلطانه من ظهور بني أمية في إفريقية، فطارد اللاجئين إليها منهم، وقتل ولدين للوليد بن يزيد بن عبد الملك، واعتقل آخرين وصادر أموالهم.


(١) نفح الطيب ج ١ ص ١٥٦.
(٢) أورد هذه الرواية صاحب أخبار مجموعة (ص ٥١ - ٥٣). وكذلك أوردها ابن حيان مؤرخ الأندلس ونقلها المقري (نفح الطيب ج ٢ ص ٦٢ و٦٣).
(٣) أخبار مجموعة ص ٥١؛ نفح الطيب ج ٢ ص ٦٢؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٤٣، وابن خلدون ج ٤ ص ١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>