للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها الأحوال، واشتد خطر سقوطها في أيدي النصارى. ودرس ابن بسام في إشبيلية وقرطية، وكتب مؤلفه الضخم " الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة " بقرطبة، وانتهى من كتابته في سنة ٥٠٣ هـ. ويصارحنا ابن بسام في مقدمته بالدافع النفسي، الذي دفعه إلى تصنيف كتاب " الذخيرة "، وهو أنه رأى انصراف أهل عصره وقطره، إلى أدب المشرق، والتزود منه والإعجاب به، وإهمال آداب بلدهم، فأراد بوضع الذخيرة، وجميع ما تضمنته من رائق المنثور والمنظوم، أن يبصّر أهل الأندلس بتفوق أدبائهم، وروعة إنتاجهم، وأن من حقهم أن يزهوا بأدبهم وأن يتذوقوه، وأن الإحسان ليس مقصوراً على أهل المشرق (١). وقد سبق أن أشرنا إلى أهمية الذخيرة كمصدر من أنفس مصادرنا التاريخية والأدبية والاجتماعية، ولاسيما عن عهد الطوائف وأمرائه وأدبائه وشعرائه (٢). وإنه لما يدعو إلى الغبطة أن البحث قد استطاع أخيراً، أن يضع يده على النص الكامل لكتاب " الذخيرة " بأقسامه أو مجلداته الأربعة، بعد أن لبث مدة طويلة مفتقداً لبعض أجزائه. وكتب ابن بسام غير " الذخيرة " عدة مصنفات أخرى، منها كتاب في شعر المعتمد بن عباد، وكتاب في شعر ابن وهبون، ورسالة عنوانها " سلك الجواهر في ترسيل ابن طاهر " ومجموعة مختارة من شعر أبى بكر بن عمار. ويمتاز ابن بسام بأسلوبه المشرق، الذي يغلب عليه السجع، دون أن ينتقص من قوته وإشراقه، كما يمتاز بملاحظاته النقدية القوية، التاريخية والاجتماعية. ومما هو جدير بالذكر أنه لم يُعرف عن ابن بسام أنه خدم أحداً من أمراء عصره، أو تطفل على موائدهم أسوة بمعظم زملائه، كتاب العصر وأدبائه. وكانت وفاته بقرطبة سنة ٥٤٢ هـ (١١٤٧ م) (٣).

ومنهم أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن وزمر الحجاري، صاحب كتاب " المسهب " الشهير. وأصله من وادي الحجارة حسبما يدل على ذلك اسمه. ولما سقطت وادي الحجارة في أيدي النصارى، غادرها مع أهله، وطاف بعدة من بلاد الأندلس، ثم نزل مدينة غرناطة، وسار منها الى قلعة بني سعيد (أو قلعة يحصب)، وهنالك استقبله صاحبها عبد الملك بن سعيد، وهو من أقطاب علماء


(١) راجع مقدمة الذخيرة (المجلد الأول القسم الأول) طبعة جامعة القاهرة ص ٢ و ٣.
(٢) كتاب دول الطوائف ص ٤١٨.
(٣) راجع في ترجمة ابن بسام، مقدمة كتاب الذخيرة، وكذلك Pons Boigues: ibid ; No ١٧١ والمراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>