لكل شيء إذا ما تم نقصان ... فلا يغرُّ بطيب العيش إنسان
وراعينا في سرد أدوار هذه المأساة المشجية، من تاريخ دولة الإسلام في الأندلس، أن نبرز تفاصيل المأساة الأندلسية كاملة، على ضوء مصادرها العربية والقشتالية، وأن نصل بها إلى حيث بدأنا تاريخ مملكة غرناطة في كتابنا " نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين "، وهو خاتمة هذه السلسلة الطويلة من عصور التاريخ الأندلسي، التي استغرقت من حياة مؤلفها أكثر من ربع قرن من الزمان.
وقد عنينا في كل من عصري المرابطين والموحدين حسبما نوهنا في مقدمة الكتاب، أن نتحدث في نهاية كل عصر، عن طبيعة نظم هذا العصر وخصائصه، وعن الحركة الفكرية الأندلسية خلاله. وقد تحدثنا في القسم الأول من هذا الكتاب، عما يخص العصر المرابطي من ذلك، وسوف نحاول أن نتحدث في خاتمة هذا القسم، عن نظم العصر الموحدي، وعن سير الحركة الفكرية الأندلسية خلاله وإن لم يكن ذلك بما كنا نبغي من التفصيل والإفاضة. ذلك أن الميدان شاسع، يستوعب المجلدات، وهو ليس في الواقع إلا تاريخ الحضارة الأندلسية، التي يقتضى استعراض مراحلها العظيمة الوضاءة، جهوداً شاقة، لم يسعفنا الوقت والجهد ببذلها.
وعنينا في هذا القسم أيضاً -عصر الموحدين- بتقديم طائفة من الخرائط والصور الأثرية، والرسوم الهامة، منها رسوم لميادين بعض المواقع التاريخية التي شهدناها بأنفسنا، ودرسناها على الطبيعة حسبما أشرنا إلى ذلك في مقدمة الكتاب وفيها صور لعدد من الآثار الموحدية الأندلسية التي ما زالت قائمة حتى يومنا، وأشهرها وأروعها جميعاً صومعة جامع المنصور " لاخيرالدا " لؤلؤة إشبيلية الأثرية.
ونحن نرجو، وقد من الله علينا آخر الأمر، وبعد أن قضينا هذه الأعوام الطويلة في ارتياد المعاهد والديار بالأندلس والمغرب، وذرفنا الدمع غير مرة على أطلال الإسلام بالأندلس، وقمنا بعديد الرحلات في طلب المصادر الأصيلة واستقصائها، وجمعنا من ذلك أغزر مادة يمكن الظفر بها - نرجو الله بعد ذلك كله، أن نكون قد وفقنا إلى أداء هذه الرسالة العلمية الجليلة التي اتخذناها شعاراً لحياتنا منذ خمسة وعشرين عاماً، على وجه يرضي العلم والتاريخ؛ ومثل هذا التوفيق، أن تحقق الرجاء، يكون لنا خير جزاء لما بذلناه خلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن، من جهود مضنية في سبيل تحقيق هذه الغاية الكبرى.