المنية في الطريق (سنة ٥٦٠ هـ) فأسف أخوه الخليفة لفقده، وشمل أهله وبنيه بعطفه ورعايته. ونظر فيما يجب لضبط شئون بجاية حتى يعين لها والٍ جديد.
وكان تخلف السيد أبي سعيد مثار التوجس، ومختلف الأقاويل، لأنه كان بوجوده في رياسة الأندلس، الشطر الثاني من الإمبراطورية الموحدية، وبما يسيطر عليه بها من الموارد والقوى، حرياً بأن تحدثه نفسه بالخروج والعصيان. ومن ثم فقد بعث أخوه الخليفة لاستدعائه ثلاثة من الحفاظ الموحدين هم أبو عبد الله ابن أبي إبراهيم، وأبو يحيى بن أبي حفص، وأبو الربيع سليمان بن داود، فلما وصلوا إلى قرطبة، تمارض السيد أبو سعيد، ولم يستطيعوا مقابلته إلا بصعوبة، ولم يحصلوا منه إلا على وعود غامضة. ولما عاد هذا الوفد إلى مراكش، ولم يتحقق
ما وعد به السيد أبو سعيد من القدوم، وكثر التوجس والإرجاف من موقفه، اعتزم السيد أبو حفص عمر أن يسير بنفسه إلى استدعاء أخيه ولقائه في جبل الفتح (جبل طارق). فغادر مراكش في فاتحة ربيع الأول سنة ٥٦٠ هـ في جملة من أشياخ الموحدين، منهم أبو يحيى بن أبي حفص، وأبو يعقوب بن يخيت، وإسحق بن جامع، ويوسف بن وانودين، وجماعة من زعماء ثوار الأندلس منهم سيدراى بن وزير، وابن الفخار صاحب لبلة، وجماعة من أشياخ لمتونة ومسّوفة، ومعه قوة من نحو أربعة آلاف فارس، خصصت لإمداد قوات الأندلس وتعزيزها. ولما وصل الركب إلى سلا، تقدم الجند للعبور إلى الأندلس، وأقام بها السيد أبو حفص شهراً، بعث خلاله إلى أخيه السيد أبي سعيد بقرطبة يخطره بمسيره إلى رؤيته، وبأن يكون اللقاء بينهما في جبل الفتح. ولما وصل ركب السيد إلى طنجة، استقل منها سفينة أقلته مع كاتبه عبد الملك بن عيّاش وبعض خاصته إلى سبتة، وسارت بقية الركب إلى سبتة، بطريق البر. وفى اليوم التالي لوصول السيد أبي حفص إلى سبتة، وصلت من الجزيرة الخضراء سفينة، أعلن من فيها وصول السيد أبي سعيد في خاصته وأشياخه إلى جبل الفتح في انتظار أخيه، فعبر السيد أبو حفص وصحبه البحر في نفس اليوم إلى جبل الفتح. ويقول لنا عبد الملك بن صاحب الصلاة، وقد كان من شهود هذا الحفل، ومن حملة الوافدين، أولاً وآخراً، إن اجتماع الأميرين قد تم على خير ما يرجى، بين قرع الطبول ونشر البنود، والسرور بالورود. وجاءت وفود قرطبة، وغرناطة وإشبيلية وغيرها من قواعد الأندلس، وكان على رأس وفد إشبيلية الفقيه الحافظ ابن الجد، والقاضي أبو بكر