أبو يحيى بحزم وقوة، وقمع بذور الفتنة، واستمر في حكمها أعواماً طويلة، وقد ساد بها السلام والأمن.
وكان من أهم الأحداث في هذه السنة - سنة ٥٦٥ هـ (١١٧٠ م) - إغارة القشتاليين على الأندلس. وكان عدوان القشتاليين على الأراضي الإسلامية قد انقطع حيناً منذ وفاة القيصر ألفونسو ريمونديس، واضطرام الحرب الأهلية بين الممالك الإسبانية النصرانية، وانشغال قشتالة بنوع خاص بالصراع بين أسرتي لارا وكاسترو القويتين. فلما انتهى هذا الصراع الذي اشترك فيه فرناندو ملك ليون إلى جانب آل كاسترو، بانتصار آل لارا وهزيمة آل كاسترو، بسط آل لارا سيادتهم على طليطلة عاصمة قشتالة، ووضعوا الملك الصبي ألفونسو الثامن تحت حمايتهم، وقام بالوصاية عليه كبير الأسرة الكونت نونيو دي لارا (سنة ١١٦٦ م). ولم يمض قليل على ذلك، حتى اعتزم الكونت نونيو - ويسميه ابن صاحب الصلاة، القمط نونه، ويصفه " بظئر أدفونش الصغير" - أن يقوم بغزوة للأراضي الإسلامية، يكون فيها تقوية سلطانه، وتعزيز هيبته. فخرج في قواته من طليطلة، واخترق موسّطة الأندلس، وسار جنوباً، وهو يثخن أينما حل، دون أن تعترضه أية قوة معارضة. ثم عبر الوادي الكبير، وشنيل، وانتهى في غزوته إلى فحص رُندة، وفحص الجزيرة الخضراء، أو أنه استطاع بعبارة أخرى، أن يخترق الأندلس من أقصاها إلى أقصاها دون أن يلقى أية مقاومة على نحو ما فعل ألفونسو المحارب قبل ذلك بنحو نصف قرن. ويقول ابن صاحب الصلاة، إنه وصل في سيره إلى البحر، وقتل المسلمين في تلك الأراضي، واستولى على كثير من السبي والغنائم والماشية، ونحن لا نستطيع أن نفسر جمود الموحدين إزاء مثل هذا العدوان الجرىء خصوصاً وقد كانت لديهم في قرطبة قوات كبيرة بقيادة الشيخ أبي حفص عمر، اللهم إلا حرصهم على قواتهم، وادخارها لمحاربة ابن مردنيش (١).
ويذكر لنا ابن صاحب الصلاة طائفة من الأحداث الطبيعية التي حدثت في تلك الفترة. منها تغير الهواء بمراكش أو بعبارة أخرى ظهور وباء مرض منه معظم السادات وكثير من الناس، وذلك في أواخر سنة ٥٦٤ هـ. ومنها توقف المطر وحدوث الشّرَق بالأندلس حتى شهر ديسمبر سنة ١١٦٩، ثم سقوط
(١) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة ١٣٠.