على خير الطرق والمسالك. وكان ابن مردنيش خلال ذلك يستجمع قواته الأخيرة، ويستصرخ حلفاءه النصارى لإمداده، فلم يلب منهم دعوته سوى أربعمائة فارس، بعث بهم إلى لورقة، وهي حصن مرسية الأمامي، لتأمين الدفاع عن قصبتها، وقد كانت بقيادة قائده الأثير وموضع ثقته أبي عثمان سعيد ابن عيسى، فضبطها أبو عثمان، وحصنها أمنع تحصين. ولكن الأمر طال عليه، وهو في عزلته، وذاع بين الناس ما يعانيه ابن مردنيش من اضطراب الأحوال والقلق، وشعروا أن عاقبته قد دنت، فعندئذ ثار أهل لورقة، ودعوا للموحدين، وهاجموا النصارى وأنصار ابن مردنيش، فالتجأ هؤلاء جميعاً إلى القصبة وامتنعوا بها. واتجه أهل لورقة إلى الموحدين في طلب الإنجاد، وبعثوا بصريخهم إلى السيد أبي حفص بمحلته بفحص مرسية، يعلنون دخولهم في دعوة التوحيد، ويستنصرون به على عدوهم، فسار السيد أبو حفص في بعض قواته صوب لورقة، ودخلها واحتلها، وبقيت حاميتها بقيادة أبي عثمان على حالها من الامتناع.
وحدث أن خرجت سرية موحدية تجول في الأنحاء المجاورة، فوقع في يدها ولد القائد، محمد بن أبي عثمان، فأمر السيد أبو حفص أن يحمل إلى مقربة من القصبة بمرأى من أبيه عسى أن يحمله ذلك على التسليم، فأبى القائد واستمر في امتناعه، حتى كادت الأقوات والماء أن تنفد، فعندئذ ألح عليه حلفاؤه النصارى في التسليم، وتوسط ابن همشك لأبي عثمان في النزول من القصبة مع جنده بالأمان، وهكذا سلمت القصبة، وانصرف القائد أبو عثمان مع صحبه إلى مرسية، وانصرف الجند النصارى إلى بلادهم، وتم بذلك فتح لورقة وخلوصها للموحدين.
وعلى أثر ذلك عاد السيد أبو حفص في قواته إلى مرسية، ليمضي في حصارها، وفي أثناء ذلك أعلن أهل ألش طاعتهم ودخولهم في دعوة التوحيد، وتبعهم في ذلك أهل معظم الحصون المجاورة، فمنحوا جميعاً الأمان، ثم جهز السيد أبو حفص حملة من الموحدين والعرب تحت إمرة الشيخ الحافظ أبي عبد الله بن أبي إبراهيم، سارت إن مدينة بسطة فافتتحتها ودخلت في طاعة الموحدين. وأعقبتها الجزيرة -جزيرة شقر- الواقعة على مقربة من جنوبي بلنسية فأعلن أهلها التوحيد بزعامة عميدهم أبي بكر أحمد بن محمد بن سفيان المخزومي، فطردوا النصارى الذين كانوا بها. وكان أبو بكر زعيماً نابهاً من بيت عريق، وزاهداً محسناً. وأديباً شاعراً،