للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبادر أهلها بالخروج إليه، ثم دخل المدينة وآنس أهلها، ووعظهم وحثهم على طاعة الخليفة، ووعدهم بالخير ورفع المظالم عنهم. ثم سار هلال بنفسه إلى إشبيلية في مستهل شهر رمضان (٥٦٧ هـ) ومعه أكابر دولة الشرق وقادتها وأعيانها، فاستقبله وصحبه خارج إشبيلية، أخو الخليفة أبو زكريا يحيى صاحب بجاية، وأبو إبراهيم إسماعيل وعلية أشياخ الموحدين، ثم استقبلهم الخليفة بالقصبة العتيقة أجمل استقبال، وقدم هلال وصحبه بيعتهم للخليفة بحضور السادة الإخوة وأشياخ الموحدين. ثم أنزلوا بقصر ابن عباد والدور المتصلة به، وقد غمرهم الخليفة بوافر عطفه وإكرامه. وفي اليوم التالي قدم قادة الشرق وأجناده، وفي مقدمتهم شيخهم أبو عثمان سعيد بن عيسى، بيعتهم وطاعتهم، وأبدوا رغبتهم إلى الخليفة أن يقوم بغزو من جاورهم من بلاد النصارى، وعينوا مدينة وبذة بالذات هدفاً لهذا الغزو، نظراً لضعف تحصيناتها وأسوارها، فوعد الخليفة بتحقيق هذه الرغبة (١).

وينقل إلينا ابن الخطيب بهذه المناسبة رواية خلاصتها أن الأمير محمداً بن سعد، لما أدركه اليأس، وأيقن بتصيير ملكه إلى الموحدين، أشهد على نفسه بإقامة الخليفة يوسف بن عبد المؤمن -عدوه- وصياً على ولده وأهله، ورغب إليه قبول هذه الوصية، فلما نقل ذلك إلى الخليفة رق لهذا القصد، وتأثر بهذه الوسيلة، وتزوج زائدة ابنة ابن مردنيش وحفيدة ابن همشك. وكانت شقراء زرقاء العينين، رائعة الجمال، وتم زفافها إليه في ربيع الأول سنة ٥٧٠ هـ، فحظيت لديه، وغدت أحب نسائه إليه، وأكثرهن نفوذاً لديه " حتى كان الناس على قول ابن الخطيب يضربون المثل بحب الخليفة للزرقاء (المردنيشية) ". وتزوج أختها صفية فيما بعد ولده، وولي عهده الأمير أبو يوسف يعقوب (٢)، وأغدق الخليفة عطفه على آل مردنيش، واستبقى لهم سلطانهم في شرقي الأندلس، فعين أبا الحجاج يوسف بن سعد والياً لبلنسية وجهاتها، وعين غانم بن محمد ابن مردنيش قائداً لأساطيل العدوة بسبتة، واستبقى هلالا لديه، فعاش في كنفه، أثيراً، رفيع الرتبة (٣).


(١) ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة لوحة ١٦٥ ب و ١٦٦ أ.
(٢) المراكشي في المعجب ص ١٤٠.
(٣) أعمال الأعلام ص ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>