الضعفاء والمرضى، ونشب القتال بين الجيش المنسحب وبين النصارى، وأمر الخليفة أن يتوقف سائر الجند حتى ترفع الأخبية، فلما رفعت وقفت قوة ترد المهاجمين حتى يتم الانسحاب، وتحرك الجيش المنسحب على قرع الطبول، يتقدمه الخليفة، والسيد أبو حفص في أهل تينملل، وأشياخ الموحدين مع قبائلهم، وزعماء الأندلس مع أصحابهم، والعرب مع قبائلهم، والنصارى خلال ذلك يهاجمون الجيش المنسحب، وقد احتشدت في المؤخرة قوة كبيرة لردهم بقيادة السادة الإخوة، ومعهم يوسف بن مردنيش وإبراهيم بن همشك وأبو العلاء بن عزون في عسكر الأندلس. وسار الجيش المنسحب متجهاً نحو كونكة (قونقة) ونزل في فحص به الماء على قيد بضعة أميال من وبذة ولحقت به قوة المؤخرة في المساء، بعد أن ردت النصارى وقتلت منهم نحو ستين.
واستمر الجيش المنسحب في سيره، وهو يحصد الزروع، ويجمع الغلات في طريقه، حتى وصل إلى كونكة بعد يومين، في يوم الثلاثاء أول ذي الحجة. وفي عصر ذلك اليوم ركب الخليفة ومعه إخوته السادة، ووزيره ابن جامع، والفقهاء والقضاة، وسائر الأشياخ من الموحدين والعرب، ودخل المدينة، وكان يرافق هذا الموكب عبد الملك بن صاحب الصلاة راوية هذه الحوادث، وهو يصف لنا قصبة كونكة، ومنعتها، وعلوها الشاهق، وكيف يصل إليها الماء من بحيرة عظيمة تقع خارج السور، وعلى قنطرة عظيمة في جانبها، وكان إلى جانب المدينة من جهة الجوف خندق عميق قد حفر في الحجر الصلد، وفيه أدراج حفرت تحت الأرض، ينزل منها إلى الوادي لشرب الماء، وتحريك الرحى التي على الوادي، وقد غطى بستارة منيعة عليها برج عظيم من بناء الأوائل، وفي فحص المدينة تقوم الكروم وأشجار الجوز والمراعي الخضراء.
ولما دخل الخليفة مدينة كونكة، وقصبتها استقبله أهلها كباراً وصغاراً، وكانوا في حالة يرثى لها من الضعف والهزال، وكان النصارى قد حاصروا مدينتهم قبل ذلك ببضعة أشهر، وبرّح بهم الضيق والحرمان، ولم يتركهم النصارى إلا حينما علموا باقتراب الموحدين، فلما سلموا على الخليفة سألهم عن أحوالهم، ووعدهم بجميل رعايته، وأمر بأن تكتب أسماء سائر أهل المدينة من الرجال والنساء والأطفال، فكان عددهم جميعاً سبعمائة، فأمر للفارس منهم باثنى عشر مثقالا، وللراجل ثمانية مثاقيل، وللمرأة أربعة وللطفل أربعة، وأعطاهم سبعين