والبحر الزاخر، أسراباً تتلو أسراباً وأمواجاً تعقب أمواجاً ". ويقدر صاحب روض القرطاس، من هبط في هذه الدفعة الأولى من القشتاليين بنحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف فارس " كلهم قد احتجب بالحديد والبيضات والزرد ". ثم يتتبع حركات هذه القوة النصرانية المهاجمة، فيقول إنها اندفعت حتى لطمت خيلها أطراف رماح المسلمين أو كادت، ثم تقهقرت قليلا، وعادت إلى الاقتراب من المسلمين، ثم ارتدت وتهيأت للهجوم الفعلي، وفي أثناء ذلك كان الشيخ أبو يحيى والقائد ابن صناديد، يحث كل منهما الجند على الثبات وإخلاص النيات والأعمال. وأخيراً تركز هجوم القشتاليين على قوات القلب التي يقودها القائد العام أبو يحيى، معتقدين أنه هو الجناح الذي يقوده الخليفة، وكان المنصور قد أمر بالفعل بأن ترفع الأعلام الخليفية على القلب، فقاتل أبو يحيى وجنوده أشد قتال، ولكن الصدمة كانت عنيفة، فقتل أبو يحيى، وقتل معه جماعة من من هنتانة، والمطوعة وغيرهم. وعندئذ تقدمت قبائل العرب والمطوعة والأغزاز والرماة، وأحاطوا بالنصارى من كل جانب، ودفع القائد ابن صناديد بجيوش الأندلس إلى المعركة وزحفت معه قبائل زناتة وسائر قبائل البربر، واندفعت الجيوش الموحدية بجملتها نحو محلة القشتاليين، واشتد القتال بين الفريقين، وسالت الدماء بغزارة، وكثر القتل في مقدمة القشتاليين، التي اضطلعت بالهجمة الأولى، واستمر القتال على هذا النحو بعنف وشدة، حتى اضطر القشتاليون إلى التقهقر والفرار نحو الربوة التي تحتلها محلتهم، وبدت بوادر الهزيمة على القشتاليين (١).
ولكن صاحب البيان المغرب، وهو فيما يرجح ينقل عن رواية ابن صاحب الصلاة وهي رواية معاصرة، يقدم إلينا عن المعركة صورة أخرى. فيقول لنا إن هجوم القشتاليين تركز أولاً على ميسرة الجيوش الموحدية، وأنه أسفر عن تقهقر جماعة من المطوعة وأخلاط السوقة، فلما رأى المنصور ذلك، نهض بنفسه، وترك ساقته على حالها، وتقدم منفرداً، وهو يحث الجند على الثبات والهجوم على العدو، فكان لحركته أعمق وقع في نفوس الجند، فاضطرمت هممهم وعزائمهم، واندفعت سائر الحشود والقبائل نحو القشتاليين بشدة، والتحم الجيشان، واشتد القتال، وكثر القتل في صفوف القشتاليين، واضطروا في النهاية إلى التقهقر والفرار.
ودامت المعركة من ضحى اليوم حتى غروب الشمس، وأسفرت عن قتل جموع