للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وقوع الكارثة. وتشير الرواية الإسلامية إلى طرف من هذه الأسباب، وتلخصها في تغير قلوب الموحدين، وسخطهم على الوزراء والقادة، وذلك بسبب حبس أعطيتهم وتأخرها، وقد كان المتبع منذ أيام المنصور، أن يُمنح العطاء للجند مرة في كل أربعة أشهر دون تأخير، ولكن العطاء كان يؤخر في عهد الناصر ولاسيما في هذه الحملة الكبيرة، فنسب الجند أسباب التأخير للوزارة، وخرجوا إلى الغزو وهم كارهون، وقد خبت قواهم المعنوية، وهكذا خرج الناصر إلى الغزو " بحشود لا غرض لهم في الغزو، وقد أمسكت أرزاقهم، وقتر عليهم ". ويقول لنا المراكشي فضلا عن ذلك، أنه بلغه من جماعة منهم " أنهم لم يسلوا سيفاً ولا شرعوا رمحا، ولا أخذوا في شىء من أهبة القتال، بل انهزموا لأول حملة الإفرنج عليهم، قاصدين لذلك " (١). أضف إلى ذلك ما حدث قبل نشوب المعركة في المعسكر الموحدي، من حوادث كان لها نذير. منها قتل الخليفة الناصر للقائد الأندلسي الباسل ابن قادس قائد قلعة رباح هو وصهره، دون أن يستقبله أو يستمع إلى عذره، ومنها إهانة الوزير أبي سعيد بن جامع للقواد الأندلسيين وإنذارهم بمغادرة الجيش، وقد كان لهذه الحوادث أسوأ وقع في نفوس الأندلسيين، وفي تثبيط همتهم في القتال، وكان الأندلسيون بالرغم من قلتهم العددية، عنصراً هاما في جيوش الغزو الموحدية المقاتلة بالأندلس، لأنهم كانوا أكثر خبرة بقتال النصارى الإسبان، وأكثر دراية بطريقتهم في الحرب (٢). وقد رأينا كيف كان اعتماد الخليفة المنصور على نصح ابن صناديد قائد الأندلس ومشورته، من أسباب نصره في معركة الأرك. وأخيراً فإن ما أبداه الناصر من العُجب والاعتداد بكثرة جموعه، واعتماده على تفوقه العددي البالغ، والتقليل من شأن العدو، كان له أكبر الأثر فيما بدا من الرعونة، وعدم الحرص والتحوط في لقاء العدو، ومن ثم فقد كان ظفر القشتاليين باختراق قلب الجيش الموحدي بتلك السرعة، مفاجأة هائلة لم تخطر للناصر ولا للقادة الموحدين. وترى بعض الروايات الإسلامية أن نكبة الناصر في العقاب كانت عقوبة من الله على ما أبداه من العجب والاعتزاز بكثرة جموعه، واعتقاده أنه لا غالب له من الناس، فأراه


(١) المراكشي في المعجب ص ١٨٣، والروض المعطار ص ١٣٨.
(٢) روض القرطاس ص ١٤٦ و ١٤٧، والروض المعطار ص ١٣٨، وراجع أيضاً نفح الطيب ج ٢ ص ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>