للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما عاد المأمون إلى إشبيلية، بعد أن أخفق في التغلب على ابن هود، كانت تشغله فكرة واحدة، هي العبور إلى المغرب، وانتزاع العرش من يد ابن أخيه يحيى، ومعاقبة الناكثين لبيعته. وكان مما يشجعه على العبور، أن وردت إليه من المغرب بيعات والي فاس، ووالى تلمسان محمد بن أبي زيد بن يوجان، ووالى سبتة، وهو أخوه أبو موسى بن المنصور، ووالى بجاية، وهو ابن أخته، وكذلك وصلت إليه بيعة مقدم بن هلال أمير عرب الخلط ودعوته بالقدوم (١). على أن المأمون لم يرد العودة دون قوة عسكرية تكفل له النجاح، ومن ثم فقد اتجه نحو ملك قشتالة، وكان فرناندو الثالث، قد عبر الحدود إلى الأندلس في أواخر سنة ١٢٢٨ م (أوائل سنة ٦٢٦ هـ)، وهو يرقب حوادث الأندلس وما تجوزه من فتن ومعارك داخلية، تمهد سبل الوثوب. فبعث إليه المأمون يعرض تجديد الهدنة السابقة إلى عام آخر بنفس الشروط، أعني مقابل دفع ثلاثمائة ألف قطعة Maravedi من الفضة، ويطلب إليه في نفس الوقت عقد حلف يحصل بمقتضاه على قوات عسكرية تعبر معه إلى المغرب. ويقدم لنا صاحب روض القرطاس خلاصة الشروط التي اشترطها ملك قشتالة لعقد هذا الحلف وقبلها المأمون، وهي أن يسلمه المأمون عشرة من الحصون الإسلامية في منطقة الحدود يختارها بنفسه. وأن تُبنى بمراكش كنيسة للنصارى يقيمون فيها شعائرهم، وأنه إذا أسلم أحد من النصارى فلا يقبل إسلامه، ويرد إلى إخوانه يقضون في أمره، وفق ما يرون، وإن تنصر بالعكس أحد من المسلمين فليس لأحد عليه سبيل. بيد أنه يبالغ في قيمة العون الذي قدمه ملك قشتالة للمأمون، فيقول إنه بعث إليه بجيش كثيف من إثنى عشر ألف فارس من النصارى، برسم الخدمة معه، والجواز إلى العدوة، وأن هذا الجيش الضخم، وصل إلى المأمون في شهر رمضان سنة ٦٢٦ هـ، فكان المأمون بذلك أول من قام بإجازة الروم إلى العدوة على هذا النحو (٢)، وفي هذا القول مبالغة ظاهرة، وليس من المعقول أن يعير ملك قشتالة مثل هذا العدد الضخم من فرسانه للخليفة الموحدي، والجيش القشتالي كله لم يكن يضم في كثير من المواقع الضخمة أكثر من هذا العدد من الفرسان. والحقيقة التي تقدمها إلينا الرواية النصرانية، من أن ملك قشتالة لم يمد المأمون


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٣، والزركشى في تاريخ الدولتين ص ١٦.
(٢) روض القرطاس ص ١٦٧.،،،،،،

<<  <  ج: ص:  >  >>