للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عين يوسف بن علي التينمللى والياً لها، فاستعمل قريبا له وهو يحيى بن أرقم ابن مردنيش لإدارتها، وثار بيحيى ثائر من صنهاجة وقتله، فقام ولده أرقم، واستطاع أن يتغلب على المدينة، وأن يفوز بحكمها مكان أبيه، وخشى أرقم أن يعزله الرشيد، فاستقل بالمدينة، وامتنع بها، فمازال أبو محمد بن وانودين به، حتى أقنعه بالعودة إلى الطاعة، واستطاع أن يسترد منه المدينة، وعفا عنه الرشيد (١) وغادر الرشيد الحضرة إلى فاس مرة أخرى، واستخلف على مراكش الشيخ أبا محمد بن أبي ابراهيم. وفي أثناء إقامته بفاس، وفد عليه رسل بني مرين، فأكرم مقدمهم، وأجزل صلتهم. وكان الخليفة الموحدي يدرك ما انتهى إليه بنو مرين يومئذ من القوة والشأن، ويبذل وسعه في مصانعتهم واسترضائهم.

ووقع عندئذ حادث مزعج، هو مفاجأة ابن وقاريط سلا بالهجوم عليها، ومحاولة أخذها. وكان ابن وقاريط مذ عبر إلى الأندلس لاستنصار ابن هود، قد لبث في إشبيلية يرقب الفرص، ثم اقترح على ابن هود مشروعاً لفتح سلا ورباط الفتح، وطلب منه بعض السفن، ليستعين بها في تنفيذ مشروعه، فوافق ابن هود، وقدم لابن وقاريط سفينتين. وكان على ولاية سلا يومئذ، السيد أبو العُلى صهر الرشيد زوج أخته فاطمة بنت المأمون، فسار ابن وقاريط في حملته البحرية الصغيرة، وفاجأ سلا بالهجوم عليها، ولكنه لقى مقاومة شديدة، واضطر أن يرتد أدراجه. واهتم الرشيد لذلك الحادث وبعث إلى سلا فاستقدم أخته وأمه إليه، وكانت معها، حرصا على سلامتهما (٢).

وكانت هذه خاتمة محاولات ابن وقاريط. ذلك أنه ما كاد يعود إلى إشبيلية حتى تطورت الحوادث، وتوفي المتوكل ابن هود في ألمرية في جمادى الأولى سنة ٦٣٥ هـ، حسبما فصلنا ذلك في موضعه، وعندئذ قام أهل إشبيلية بزعامة أبي عمرو ابن الجَد وأعلنوا خلع طاعة بني هود، والعودة إلى طاعة الخلافة الموحدية، وعقدوا بيعتهم للرشيد، وبعثوا إلى مراكش وفداً لتقديم بيعتهم. وحدث مثل ذلك في سبتة، حيث قام أهلها بخلع صاحبها أبي العباس اليانشتي، وبايعوا للرشيد، وبعثوا ببيعتهم وفداً إلى الحضرة. وحدث في نفس الوقت أن قام أهل إشبيلية بالقبض على ابن وقاريط، وكان الفضل في ذلك راجعاً إلى فقيه من أهل فاس يدعى


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٦، والبيان المغرب ص ٣٣١.
(٢) البيان المغرب ص ٣٤١، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>