للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انهارت الدولة الموحدية ضعف أمرهم، وأضحوا من الرعايا العاديين للدولة الغالبة (١). وقد دثرت قبيلة هرغة - قبيلة المهدي - بعد سقوط الدولة بقليل، وفقدت كل مكانة ونفوذ، وكذا كان مصير قبيلة أو أهل تينملّل، وهم الذين نزل بينهم المهدي وأعلن إمامته، وأنشأ داره ومسجده، وكان لهم شأن في مناصب الدولة، وعمالاتها، ولكن رجالاتهم انقرضوا غير بعيد، وملك أمرهم غيرهم من زعماء المصامدة. وكان قبر المهدي لديهم بتينملّل، مايزال حتى العصر الذي كتب فيه ابن خلدون تاريخه، حوالى سنة ٧٨٠ هـ، مايزال مزاراً مرموقاً، وعلى ما كان عليه من التجلة والتعظيم، يتلى به القرآن والأحزاب باستمرار ويقوم عليه الحجاب والحفاظ، وتترى إليه الوفود من كل فج، وتقدم الصدقات نذرا وتبركا. وكان أهل تينملل ومعهم كافة المصامدة، يعتقدون اعتقاداً جازماً، بأن أمر المهدي سيعود، وأن الدولة ستظهر على أهل المشرق، ويملأ المهدي الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وذلك وفق ما وعدهم به (٢).

وأما هنتاتة، فكانت من أشد قبائل الموحدين بأسا وتمكنا في الدولة، وذلك لما كان عليه زعيمها الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتى، أحد الصحب العشرة، من مكانة ملحوظة لدى المهدي، وقد لبث آبناؤه يتبوأون أرفع مناصب الدولة، وانتهى زعيمهم أيام الناصر، الشيخ أبو محمد عبد الواحد بن أبي حفص، بأن غلب على ولاية إفريقية، ومهد ملكها لعقبه، فأقاموا بها دولة مستقلة عظيمة. ولما انتهت الدولة الموحدية، لبثت هنتاتة في موطنها القديم بجبال درن، على مقربة من مراكش، وكانوا أيام بني مرين، من القبائل الخاضعة لسلطان الدولة الجديدة، يولون عليها من شاءوا لضبطها وتحصيل جبايتها.

وكانت قبيلة جدميوة تابعة لهنتاتة، وتينملل، وجبلهم بجوار جبل هنتاتة، فلما انهارت الدولة افترق أمرهم، وخضع بعضهم لبني مرين، وامتنع البعض الآخر عن الطاعة. وكانت وريكة كذلك من القبائل المجاورة لهنتاتة، وكانت بينهم فتن وحروب مستمرة هلك فيها كثير من الفريقين المتخاصمين (٣).

وهكذا كانت الخاتمة المؤسية، لتلك المجموعة من القبائل البربرية والبدوية، التي هزتها دعوة المهدي ابن تومرت إلى الأعماق، ومكنتها من أن تنشىء دولة من أعظم الدول، في الغرب الإسلامي، هي الدولة الموحدية الكبرى.


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٦٦.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٦٧، وراجع ما ورد في القسم الأول بشأن قبر المهدي ص ١٩٨.
(٣) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٧٠ و ٢٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>