وفي ذلك الحين كان سليمان بن عبد الرحمن قد استطاع أن يحشد أنصاره ولاسيما من البربر، وهرع إليه أخوه عبد الله البلنسي بعد فشله في الشمال، وسار الخوارج إلى قرطبة يحاولون الإغارة عليها، فالتقوا بجند الحكم على مقربة منها في مكان يسمى " فنجيط " وذلك في شوال سنة ١٨٢ هـ، فهزم سليمان. ثم التقى الجمعان ثانية بالقرب من إستجَّة في صفر سنة ١٨٣، فهزم سليمان مرة أخرى بعد قتال عنيف، وفر في أصحابه متجها إلى ماردة، فبعث الحكم الجند في أثره، فطاردته حتى قبض عليه. وجىء به إلى الحكم، فأمر بإعدامه، وأعدم معه عدة من زعماء الفتنة، وأرسلت رؤوسهم إلى قرطبة حيث طيف بها (سنة ١٨٤ هـ - ٨٠٠ م).
وفر أخوه عبد الله إلى بلنسية فاختفى بها، ولكنه لم ير في النهاية مناصا من طلب العفو، فعفا عنه الحكم وأصدر له أماناً خاصاً، وذلك على أن يبقى في بلنسية وتجري عليه أرزاقه، وبعث عبد الله إلى الحكم بابنه عبيد الله فأكرمه الحكم وزوجه إحدى أخواته، وركن عبد الله إلى السكينة طوال عهد الحكم (١).
وهكذا انتهت المرحلة الأولى من الحوادث التي اقترنت بثورة سليمان وأخيه عبد الله، ولم يجن الفرنج فيها كبير غنم، ولكن ذلك لم يثن شارلمان عاهل الفرنج عن عزمه ومشاريعه. ذلك أن سياسة التدخل في شئون إسبانيا المسلمة، كانت أصلا من أصول السياسة الفرنجية، وكان الفرنج ينظرون بعين التوجس، إلى قيام هذه الإمارة الإسلامية الجديدة فيما وراء البرنيه، وإلى توطدها ونموها، ويخشون بالأخص أن يضطرم الإسلام بفورة جديدة من الجهاد والغزو، فينساب تيار الفتح الإسلامي إلى غاليس كرة أخرى، وقد حاول شارلمان ضربته الأولى في عهد عبد الرحمن الداخل فباء بالهزيمة والفشل، ونكب في مفاوز رونسفال (باب الشزري). ولما عبر المسلمون جبال البرنيه في عهد هشام وغزوا سبتمانيا، تجددت مخاوف الفرنج وتجددت مشاريعهم لتأمين حدودهم الجنوبية، وكانوا يلتمسون الفرصة كلما اضطرمت الأندلس بالثورة. وهنا يجدر بنا أن نتساءل، هل كان لسياسة الخلافة العباسية أثر في صوغ هذه السياسة الفرنجية نحو الأندلس أو الإيحاء بها؟ لقد رأينا كيف كانت الخلافة العباسية تحاول بث دعوتها في الأندلس على يد بعض الزعماء الخوارج، وكيف كانت هذه الدعوة تحدث أثرها في إضرام نار