لم تكن الدولة المرابطية، حسبما وضح من تاريخها، سوى دولة دينية عسكرية، استمدت حياتها ومنعتها خلال عهدها القصير، مما كانت تتسم به من صفات البداوة والخشونة، وكانت روح التزمت التي تغلب عليها، وتدفعها إلى تجاهل القيم الفكرية والأدبية، تحول دون تفتح الحركات العقلية وتقدمها، ولم تكن تلك الحركة الفكرية التي ازدهرت في ظلها، والتي استعرضنا بعض ملامحها فيما تقدم، سوى امتداد طبيعى، واندفاع حتمى، لتلك الحركة الفكرية العظيمة التي ازدهرت في ظل دول الطوائف، والتي أسبغ عليها ملوك الطوائف كل تشجيع ورعاية، ثم جاءت الدولة المرابطية، فاحتضنت بعض جوانبها الرسمية، بمن كانت تحشدهم حولها من الوزراء العلماء، والكتاب البلغاء، ليكونوا لسانا لها، لدى الشعوب المحكومة، سواء بالمغرب، أو الأندلس، ولكى يستكمل البلاط المرابطي، بعد أن ضخمت الدولة وتوطد سلطانها، ما ينقصه من أسباب الهيبة والبهاء. أما الدولة الموحدية فكان لها شأن آخر. ذلك أن عصر الدولة الموحدية، الذي استطال زهاء قرن ونصف قرن من الزمان، كان من أحفل عصور التاريخ الأندلسي والمغربى بالحركات الفكرية. وإنه ليبدو من الغريب المدهش، أن نجد الحركة الفكرية الأندلسية، حتى في مرحلة الانحلال والانهيار، التي توالى فيها سقوط القواعد الأندلسية الكبرى، مستمرة في الاحتفاظ بنشاطها وعنفوانها، ونراها تنحدر عبر البحر من القواعد الأندلسية الذاهبة، إلى قواعد إفريقية والمغرب، تحمل معها تراثها الزاخر، وتزدهر هنالك حقبة أخرى.
ويجب قبل أن نتحدث عن هذه الحركة الفكرية الباذخة، التي ازدهرت بالمغرب والأندلس، خلال العصر الموحدي، أن نحاول أن نستكشف في ملامح الدولة الموحدية، بعض العوامل المشجعة، أو الدافعة لمثل هذه الحركة، إذ أنه لا ريب في أن الدولة الموحدية، بالرغم مما كان يقع في ظلها بين آونة وأخرى، من ضروب المطاردة الفكرية، كانت دولة حامية للعلوم والآداب والفنون.
لقد كان مؤسس الدولة الموحدية الروحى، المهدي محمد بن تومرت، من أقطاب علماء عصره، وقد أفسح في دعوته للعلم أيما مكانة، وحض على تحصيله بقوة وحماسة، في عبارته المشهورة، التي يفتتح بها كتابه وهي:
" أعز ما يطلب، وأفضل ما يكتسب، وأنفس ما يدخر، وأحسن ما يعمل، العلم الذي جعله الله سبب الهداية إلى كل خير، هو أعز المطالب، وأفضل