للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤسسها الروحى وخلفاؤه من الصفات العلمية البارزة، وإذا استثنينا بعض حوادث المطاردة الفكرية، مثل حادث اتهام ابن رشد وزملائه أيام المنصور، فإنا نستطيع أن نصف الدولة الموحدية، بأنها كانت دولة حامية للعلوم، كما كانت حامية للآداب، حامية للفنون في نفس الوقت، حماية تشهد بها منشآتها العمرانية العظيمة في المغرب والأندلس.

ولدينا في الواقع ثبت حافل، من أكابر العلماء الذين نبغوا في ذلك العصر في مختلف العلوم، في الطب والنبات والرياضة والفلك والهندسة وغيرها، وإذا كان هذا الثبت ليس مرتفعا من الناحية العددية، كما هو الشأن في ميدان العلوم الدينية والنظرية، فإنه يضم أقطابا من الطراز الأول، من أساتذة الطب والفلسفة والنبات في العصور الوسطى.

- ١ -

ولنبدأ بذكر أعلام الطب في هذا العصر، وقد كانت منهم ثمة جمهرة كبيرة، وأقطاب عظام.

كان من هؤلاء أبو جعفر أحمد بن محمد الغافقي القرطبي، برع في الطب والنبات، وتجول في أنحاء الأندلس وإفريقية، وجمع منها أصنافا عديدة من النباتات الطبية، وقام بتصنيفها من الناحية العلمية، وسجلها بأسمائها العربية واللاتينية والبربرية، وكان كتابه " الأدوية المفردة " من أهم المراجع الطبية في عصره. وتوفي سنة ٥٦١ هـ.

وعبيد الله بن غَلِندة الأموي، أصله من سرقسطة، وسكن إشبيلية. غادر أهله سرقسطة حين تغلب عليها النصارى في سنة ٥١٢ هـ، ونزلوا أولا بقرطبة، وبها درس عبيد الله، ثم رحل منها إلى إشبيلية واستقر بها، وبرع في الأدب والشعر. ولكنه برع في الطب في نفس الوقت، وذاع صيته كطبيب ماهر في العلاج. وفي أواخر حياته عبر البحر إلى المغرب، واستقر بمدينة مراكش، وبها توفي في سنة ٥٨١ هـ، وقد بلغ السابعة والتسعين من عمره (١).

ومنهم أبو مروان عبد الملك بن محمد بن جُرُّيول من أهل بلنسية، وسكن قرطبة ويعرف بابن كنبراط، كان من المبرزين في معرفة الطب، المتقدمين في صناعته، وعنه أخذ كثير من أقطاب العصر، وفي مقدمتهم العلامة


(١) ترجمته في التكملة رقم ٢١٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>