ابن يوسف بن عبد المؤمن، الملقب بالمخلوع، ولكن الأمور لم تهدأ بذلك ولم تستقر، إذ ظهر بالأندلس، مدع جديد للخلافة، هو السيد أبو محمد عبد الله ابن يعقوب المنصور، والى مرسية، وأعلن نفسه خليفة للموحدين باسم العادل، وذلك في شهر صفر سنة ٦٢١ هـ. وأيدته في دعوته معظم القواعد الكبرى، وكان ولاة قرطبة وغرناطة ومالقة، وإشبيلية، يومئذ من أخوته، أولاد المنصور. ثم سار العادل إلى إشبيلية، وهنالك وصلته بيعات أهل مراكش وبلاد المغرب. وقام أشياخ الموحدين بمراكش بخلع الخليفة أبي محمد عبد الواحد، ثم دبروا قتله غيلة (شعبان ٦٢١ هـ) وعندئذ قرر العادل العبور إلى المغرب، وترك أخاه السيد أبا العلاء إدريس بن المنصور والياً لإشبيلية، وهي يومئذ قاعدة الحكم الموحدى بالأندلس.
وعبر العادل البحر إلى المغرب في أواخر سنة ٦٢٢ هـ. وتربع على كرسى الخلافة. وكانت أحوال الدولة الموحدية قد ساءت يومئذ ومزقتها الأهواء والفتن، وتضعضع سلطانها في معظم أنحاء المغرب والأندلس. ولم يمض قليل على قيام العادل في الخلافة حتى خرج عليه بالأندلس، أخوه أبو العلاء إدريس والى إشبيلية، ودعا لنفسه، وتسمى بالمأمون، وكان من أعداء هذه الحركة الجديدة في مراكش أن قام الموحدون بقتل العادل، ولكنهم لم يعلنوا بيعة المأمون، بل أقاموا مكانه في الخلافة ولد أخيه، يحيى بن الناصر (شوال ٦٢٤ هـ) ولما علم المأمون بذلك، استشاط سخطاً، وقصد إلى فرناندو الثالث ملك قشتالة، وطلب إليه العون على انتزاع العرش من ابن أخيه، وقدم إليه عدداً من الحصون الأندلسية الهامة، ودفع إليه مبلغاً طائلا من المال، وتعهد بأن يمنح النصارى في مراكش امتيازات عديدة، وأن يسمح لهم ببناء كنيسة لهم، وفي نظير ذلك أمده ملك قشتالة بفرقة من جنوده ليستعين بها على مقاتلة خصمه. وعبر المأمون إلى المغرب في حشوده من العرب والموحدين والقشتاليين، وذلك في أواخر سنة ٦٢٦ هـ (١٢٢٨ م)، وقصد تواً إلى مراكش. وخرج الخليفة يحيى بن الناصر للقائه في قواته. ونشبت بين الفريقين معركة هزم فيها يحيى، وفر ناجياً بنفسه، ودخل المأمون مراكش، وتربع على كرسى الخلافة.
وكان المأمون، أميراً وافر الهمة والعزم، يجيش بمشاريع وأطماع عظيمة. فقضى الأعوام القلائل التالية في العمل على توطيد سلطانه بالمغرب، واستبد بالحكم