بعد ذلك إلى افتتاح باقى الحصون القريبة من إشبيلية. واستطاع ابن الأحمر بنصحه وتدخله، أن يقنع معظم أصحابها بتسليمها لملك قشتالة، مقابل تعهده بأن يحقن دماء المسلمين، وأن يمنحهم شروطاً سخية. ولم تأت أواسط سنة ١٢٤٧ م (٦٤٥ هـ) حتى كان ملك قشتالة، قد استولى على جميع الحصون الأمامية لإشبيلية، وانتسف سائر البسائط والضياع القريبة منها.
وبدأ النصارى حصارهم لإشبيلية فى أغسطس سنة ١٢٤٧ م (جمادى الأولى سنة ٦٤٥ هـ). وحشد فرناندو حول المدينة المحصورة قوات عظيمة حشدت فى سائر أنحاء قشتالة، وتسابق الأمراء والأشراف والأحبار النصارى، فى الاشتراك فى هذه الحملة الصليبية الخطيرة، ورابط أسطول قشتالى قوى فى نهر الوادى الكبير إحكاماً لمحاصرة المدينة من جهة البحر، واضطر ابن الأحمر أن يقدم وفقاً لتعهده قوة من الفرسان للمعاونة فى حصار الحاضرة الإسلامية والاستيلاء عليها. وهكذا أرغم هذا الزعيم المسلم على أن يشرب الكأس المرة إلى الثمالة، فى محالفة أعداء وطنه ودينه. وتقول بعض الروايات الإسلامية، إن ابن الأحمر كان يرمى بمعاونة النصارى على هذا النحو، إلى الانتقام من أهل إشبيلية لخذلهم إياه ونكولهم عن طاعته (١). وصمم أهل إشبيلية على الدفاع عن مدينتهم جهد الاستطاعة، ولكن الموقف داخل المدينة كان غامضاً ومضطرباً. ذلك أن إشبيلية، مذ خلعت طاعة الموحدين، عند اضطراب أمرهم، وانهيار سلطانهم، كباقى القواعد الأندلسية، لم تقم بها زعامة موحدة، ولا تحدثنا الرواية الإسلامية عن أولئك الزعماء الذين ألقى القدر إليهم مهمة الدفاع عن إشبيلية فى تلك الآونة العصيبة، ولكنا نعرف بعض الأسماء من الرواية النصرانية المعاصرة، ومن بعض إشارات عابرة فى الرواية الإسلامية، فهى تذكر لنا قائد الفحص شقّاف، والرئيس ابن شعيب، ويحيى ابن خلدون، ومسعود بن خيار. وكان القائد شقاف، فى الواقع، هو الزعيم الحقيقى الذى يتولى أمر الدفاع، وعليه تعقد الآمال. وطال الحصار حول إشبيلية وأخذ يشتد يوماً بعد يوم، وكانت المدينة المحصورة تتلقى من وقت إلى آخر من عُدوة المغرب، بعض المؤن عن طريق الوادى الكبير. ولما تفاقمت أهوال الحصار وضع شاعر إشبيلية يومئذ إبراهيم بن سهل الإشبيلى الإسرائيلى، قصيدة مؤثرة يستصرخ فيها أهل العدوة، ويستحثهم على المبادرة إلى نصرة إخوانهم فى الدين وفيها يقول: