للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن ابن الأحمر لم يكن يعتزم المضى فى ذلك المسلك المؤلم المهين إلى النهاية، فقد كانت نفسه الوثابة تحدثه من وقت إلى آخر، بأن يحطم هذه الأغلال الشائنة التى صفدته بها محالفة النصارى، وكان كلما آنس ازدياد قوته ورسوخ سلطانه صلبت قناته وذكا عزمه، وكان يتجه ببصره إلى ما وراء البحر، إلى إخوانه فى الدين فى عدوة المغرب، وكان جرياً على السياسة الأندلسية المأثورة يرى فى ملوك العدوة، عضداً له قيمته فى مغالبة النصارى، وكانت حوادث المغرب تتمخض فى ذلك الحين بالذات عن قيام دولة جديدة قوية هى دولة بنى مرين. ومع أن الكفاح بين دولة الموحدين المحتضرة وبين دولة بنى مرين الناشئة (١)، كان يحول دون إنجاد الأندلس بصورة فعالة، فإن كتائب المجاهدين من بنى مرين والمتطوعة من أهل المغرب، لم تلبث أن هرعت إلى غوث الأندلس. وعبر القائد أبو معرف محمد بن إدريس بن عبد الحق المرينى وأخوه الفارس عامر، البحر فى نحو ثلاثة آلاف مقاتل، جهزهم أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق سلطان بنى مرين. وكانت حوادث الأندلس المؤسية تحدث وقعها العميق فى المغرب، وكانت رسائل الأندلس تترى إلى أمراء المغرب وأكابرهم بالصريخ مما تكابده من عدوان النصارى واستطالتهم، والاستنصار بأهل العدوة إخوانهم فى الدين، وكان علماء المغرب وخطباؤه وشعراؤه يبثون دعوة الغوث والإنجاد، ومن ذلك قصيدة مؤثرة وضعها أبو الحكم مالك بن المُرَحِّل، وقرئت فى جامع القرويين بفاس فى يوم جمعة من أيام سنة ٦٦٢ هـ، وبكى الناس تأثراً لسماعها ومما جاء فيها:

استنصر الدين بكم فاستقدموا ... فإنكم إن تسلموه يسلم

لاذت بكم أندلس ناشرة ... برحم الدين ونعم الرحم

فاسترحمتكم فارحموها إنه ... لا يرحم الرحمن من لا يرحم

ما هى إلا قطعة من أرضكم ... وأهلها منكم وأنتم منهم (٢).

وكان لاهتمام المغرب بإنجاد الأندلس صداه. وكان ابن الأحمر قد بدأ فى الوقت نفسه يشعر بمقدرته على مواجهة النصارى والخروج على طاعتهم، وحماية مملكته الفتية من عدوانهم. ولما فاتحه النصارى بالعدوان وغزوا أراضيه فى سنة ٦٦٠ هـ (١٢٦١ م)، استطاع بمعاونة قوات من المتطوعة والمجاهدين الذين


(١) سنعود إلى التحدث عن قيام دولة بنى مرين فى موضع آخر.
(٢) راجع الذخيرة السنية ص ١٠٨ - ١١٢ حيث يورد القصيدة بأكملها.

<<  <  ج: ص:  >  >>