للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرب والإدارة، يحسن اختيار الرجال للمناصب، فكان يحشد حوله خيرة رجال الدولة من الوزراء والقادة والولاة والقضاة (١).

وفي فاتحة ولايته، عاد عبد الله البلنسي، عم أبيه، إلى الثورة مرة أخرى، واحتل كورة تدمير مطالباً بإقطاعها (سنة ٢٠٧هـ)، والتف حوله جمع كثير، وكان يزمع الزحف إلى قرطبة بالرغم من ضعفه وشيخوخته، ولكن المرض عاجله، وتوفي في العام التالي (سنة ٢٠٨هـ)، فاحتل عبد الرحمن كورة تدمير، وتكفل بأهله وولده، وانتهت بذلك آخر مرحلة في فتنة طالما تكرر حدوثها منذ وفاة عبد الرحمن الداخل.

ولكن تدمير لبثت مع ذلك تضطرم بنار ثورة داخلية من نوع جديد. ذلك أن فتنة نشبت فيها بين المضرية واليمنية، من جراء موت مضري قتله يماني، واستفحل الشر بينهما، وقتل كثير من الفريقين، فبعث عبد الرحمن إليهم حملة بقيادة يحيى بن عبد الله، وعينه والياً على تدمير، ولكنه لم يفلح في إخضاع الولاية الثائرة. واستمرت الفتنة على أشدها، وغلب على تدمير أبو الشماخ زعيم اليمنية، ولبث بضعة أعوام يتحدى سلطة قرطبة، والبعوث تتردد إليه في كل عام، دون أن تنال منه منالا، ولم تهدأ الفتنة إلا في سنة ٢١٣ هـ، حيث خضع أبو الشماخ وغيره من الزعماء، وطلبوا الأمان، وعادوا إلى الطاعة.

وحدثت في قرطبة عقب جلوس عبد الرحمن بأيام قلائل، فتنة شعبية من نوع ما حدث أيام الربض. ذلك أن وفوداً من أهل الذمة وغيرهم قدمت من إلبيرة تطالب برفع المغارم التي فرضها عليهم ربيع الأسقف، وانضم إليهم كثير من أهل قرطبة النصارى، وساروا إلى القصر في ضجة كبيرة، فأرسل إليهم عبد الرحمن قوة من الفتيان لتهدئتهم فاعتدوا عليها، فبعث عندئذ الجند إليهم، ففتكوا بهم وقتل منهم خلق كثير، وفر الباقون في مختلف الأنحاء، وكان ذلك في المحرم سنة ٢٠٧ هـ (٢).

وبدأ عبد الرحمن برنامجه في الغزو والجهاد مبكراً، فبعث في صيف سنة ٢٠٨هـ (٨٢٣ م) حملة إلى ألبة والقلاع بقيادة عبد الكريم بن عبد الواحد ابن مغيث، وكان ألفونسو الثاني ملك جليقية (أو ليون) قد أغار على


(١) مخطوط ابن حيان ص ١٣٨.
(٢) مخطوط ابن حيان المشار إليه، وابن الأثير ج ٦ ص ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>