حولها الحصار، وكان ابن هود يضع خططه يومئذ لغزو بلنسية وقد وصله عندئذ صريخ أميرها زيان حينما هاجمه خايمى ملك أراجون، فلم يشأ إنجاد المدينة المحصورة بالرغم من مسيره إليها، خصوصاً وقد علم أن النصارى هاجموها بقوات كبيرة، فترك قرطبة لمصيرها، ودافع أهل قرطبة عن مدينتهم أعظم دفاع، واشتبكوا مع النصارى خارج المدينة وفى داخلها فى عدة معارك دموية شديدة، ولكن هذه البسالة لم تغن شيئاً، وسقطت عاصمة الأندلس القديمة، ودخلها القشتاليون فى ٢٩ يونيه سنة ١٢٣٦ م (٢٣ شوال سنة ٦٣٣ هـ) ورفعوا الصليب فى الحال فوق مسجدها الجامع تنويها بظفر النصرانية، وكان سقوط قرطبة نذيراً بما انتهت إليه الأندلس من بالغ الضعف والفوضى.
ولما اشتدت الحرب الأهلية بين المسلمين فى شرقى الأندلس، بعث فرناندو الثالث ولده ألفونسو إلى مرسية، واستولى عليها صلحا فى سنة ١٢٤٣ م (٦٤٠ هـ). ثم التفت إلى إمارة غرناطة الناشئة التى أخذت تنمو ويشتد ساعدها فى ظل ابن الأحمر فانتزع منها حصن أرجونة وعدة حصون أخرى، ووصلت قواته إلى أحواز غرناطة، ثم أرسل جيشه لمحاصرة جيَّان فى العام التالى (سنة ١٢٤٥ م)، وشعر ابن الأحمر أنه عاجز عن صد هذا السيل الجارف، فاضطر إلى عقد الصلح والانضواء تحت حماية ملك قشتالة حسبما فصلنا من قبل، وبلغ فرناندو الثالث بذلك ذروة القوة والسلطان، وأضحت الأندلس الجنوبية كلها تحت حمايته ورهن مشيئته.
وأخذ فرناندو فى الوقت نفسه يتأهب لافتتاح إشبيلية أعظم قواعد الأندلس، وفى سنة ١٢٤٧ م (٦٤٤ هـ) بث قواته فى أحواز إشبيلية فاستولت على معظم الحصون القريبة منها، وسير فرناندو فى الوقت نفسه أسطولا فى مياه الوادى الكبير لكى يحول دون وصول الأمداد والمؤن إلى المدينة من ناحية البحر؛ وكان يتولى الدفاع عن إشبيلية نفر من الزعماء البواسل. وأبدى المسلمون إصراراً وجلداً فى الدفاع عن مدينتهم، ولكن النصارى أحكموا حصارها، واستمر الحصار طول الشتاء، ثم حشد فرناندو فى العام التالى حولها قوات جديدة، وسارع إلى نجدته كثير من المتطوعة النصارى من أراجون والبرتغال ومنهم كثير من الأحبار والرهبان، واضطر ابن الأحمر صاحب غرناطة إلى معاونة حليفه وحاميه فرناندو ببعض قواته، وذلك كله حسبما فصلناه من قبل. وفى النهاية اضطرت الحاضرة