للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى سنة ١٢٨٢ م (أوائل ٦٨١ هـ) ثار عليه ولده سانشو وآزره معظم النبلاء، واستطاع أن ينتزع العرش لنفسه. فاتجه أبوه الملك المخلوع إلى السلطان أبى يوسف المنصور، وأرسل إليه بالمغرب وفدا من الأحبار يستمد منه الغوث والعون ضد ولده. فاستجاب السلطان لصريخه، وعبر البحر فى قواته إلى الأندلس فى ربيع الثانى سنة ٦٨١ هـ، وهرع ألفونسو إلى لقائه بمحلته بالجزيرة على مقربة من رندة، مستجيراً به، ملتمساً لنصرته، وقدم إليه تاجه رهنا لمعونته. فأمده السلطان بمائة ألف من الذهب، ليستعين بها على حشد الجند. قال ابن خلدون، وقد رأى هذا التاج ببلاط بنى مرين أيام أن كان فى خدمتهم: "وبقى بيدهم فخراً للأعقاب لهذا العهد" (١). وغزا أبو يوسف أراضى قشتالة وحاصر قرطبة، ثم زحف على طليطلة، وعاث فى نواحيها، ووصل فى زحفه إلى حصن مجريط (٢). وتحاشى ابن الأحمر فى البداية لقاء السلطان لفتور العلائق بينهما، ولتوجسه من محالفته لألفونسو، ورأى من جانبه أن يتفاهم مع سانشو ملك قشتالة الجديد، وزحف على المنكَّب وهى من الثغور التى تحتلها قوات المغرب، فغضب السلطان وارتد لقتاله. وكادت تنشب بين الملكين المسلمين فتنة مستطيرة، لولا أن خشى ابن الأحمر العاقبة، وعاد إلى التفاهم مع المنصور، وصفا الجو بينهما نوعا. وعاث المنصور فى أراضى قشتالة مرة أخرى، وغص جيشه بالسبى والغنائم، ثم عاد إلى المغرب بعد أن ولّى على الجزيرة حاكما من قبله.

واستمرت الحرب الأهلية أثناء ذلك فى قشتالة بين الإبن والأب، ولبث هذا النضال الدموى زهاء عامين، حتى توفى ألفونسو العاشر طريداً مهزوما فى سنة ١٢٨٤ م (٦٨٣ هـ)، فكان لوفاته وقع عميق فى غرناطة والمغرب، وأرسل كل من الملكين المسلمين عزاءه فى الملك العالم المنكود إلى بلاط قشتالة. وكان موقف المملكتين الإسلاميتين غريباً إزاء حوادث قشتالة، إذ كان ملك المغرب يؤازر الملك المخلوع، وكان ملك غرناطة بالرغم من عطفه على ألفونسو العاشر، يؤازر ولده الخارج عليه. والحقيقة أن ابن الأحمر كان يشهد تقاطر الجيوش البربرية إلى


(١) ابن خلدون ج ٧ ص ٢٠٥؛ والإحاطة ج ١ ص ٥٧٢؛ واللمحة البدرية ص ٤٣؛ وأزهار الرياض ج ١ ص ٦١.
(٢) كانت محلة مجريط الإسلامية الحصينة تشغل موقعاً يقع بجوار موقع العاصمة الإسبانية الحديثة مدريد.

<<  <  ج: ص:  >  >>