للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضنى الحصار المسلمين وأرغموا على التسليم. وسقط الثغر المنيع فى يد النصارى فى أواخر سنة ٧٠٩ هـ (مارس سنة ١٣١٠ م) فكان لسقوطه وقع عميق فى الأندلس والمغرب معا؛ فقد كان باب الأندلس من الجنوب، وكان صلة الوصل المباشر بين المملكتين الإسلاميتين.

وأدرك ابن الأحمر على أثر هذه النكبة، فداحة الخطأ الذى ارتكبه بمجافاة بنى مرين، فبادر بإرسال رسله إلى السلطان أبى الربيع يبدى أسفه على ما سلف، ويسأله الصفح والصلح؛ فأجابه السلطان إلى طلبه، ونزل ابن الأحمر للسلطان عن الجزيرة ورندة وحصونها ترضية له وترغيباً فى الجهاد، واقترن بأخت السلطان توثيقاً لوشائج المودة، وأرسل السلطان إليه المدد والأموال، وعادت علائق التفاهم والتحالف بين غرناطة وفاس إلى سابق عهدها.

على أن هذا التحسن فى علائق المملكتين الإسلاميتين، لم يثن النصارى عن مشاريعهم تجاه غرناطة. ذلك أن الجيوش المغربية لم تعد تعبر إلى الجزيرة بكثرة. وكانت أحوال المغرب تعوق بنى مرين عن استئناف الجهاد فى الأندلس على نطاق واسع، وكانت أحوال غرناطة، من جهة أخرى تشجع النصارى على التحرش بها والإغارة على أراضيها. ولما رأى السلطان نصر تفاقم الأمور واشتداد بأس النصارى، لم ير وسيلة لاجتناب الخطر الذى يهدده سوى مصانعة فرناندو الرابع ملك قشتالة والتعهد له بأداء الجزية. وكان ذلك مما زاد فى سوء سيرته وفى سخط الشعب عليه. ولم تلبث أعراض الثورة أن ظهرت فى الجنوب حيث أعلن الرئيس أبو سعيد فرج بن إسماعيل النصرى صاحب مالقة وابن عم أبى السلطان، الخروج والعصيان. ورشح الخوارج للملك مكان نصر، أبا الوليد اسماعيل وهو حفيد لإسماعيل أخى محمد بن الأحمر رأس الأسرة النصرية. ولم يمض سوى قليل حتى استطاع أبو سعيد وشيعته التغلب على ألمرية وبلّش وغيرهما من القواعد الجنوبية. وفى أوائل سنة ٧١٢ هـ (١٣١٣ م) سار فى قواته إلى غرناطة، وهرع السلطان نصر إلى لقائه فكانت الهزيمة على نصر، فلجأ إلى غرناطة؛ ولكنه لم يلبث أن أذعن واضطر إلى التنازل عن العرش، وسار بأهله إلى وادى آش، وتولى حكمها حتى توفى سنة ٧٢٢ هـ (١٣٢٢ م) (١).


(١) الإحاطة ج ١ ص ٣٩٣ و ٣٩٤؛ واللمحة البدرية ص ٥٧ - ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>