للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطالب بتسليم عثمان بن أبى العلاء لما كان منه فى حق بنى مرين، فأبى ابن الأحمر خشية العواقب؛ وزحف القشتاليون على غرناطة بجيش ضخم، يقوده الدون بيدرو (دون بطره) والدون خوان الوصيان على ألفونسو الحادى عشر ملك قشتالة، ومعهما عدة من الأمراء القشتاليين، وفرقة من المتطوعة الإنجليز بقيادة أمير إنجليزى، فبادر المسلمون إلى لقائهم فى هضبة إلبيرة على مقربة من غرناطة. وكان الجيش الغرناطى لا يجاوز ستة أو سبعة آلاف جندى منهم نحو ألف وخمسمائة فارس، ولكنهم صفوة المقاتلة المسلمين، وكان قائده شيخ الغزاة أبو سعيد عثمان بن أبى العلاء، جنديا جريئاً وافر العزم والبسالة، فلم ترعه كثرة الجيش المهاجم، وعول فى الحال على لقائه فى معركة حاسمة. وفى ٢٠ من ربيع الثانى سنة ٧١٨ هـ (مايو سنة ١٣١٨ م) التقى فرسان الأندلس بطلائع النصارى وردوهم بخسارة فادحة. ثم زحف أبو سعيد فى نخبة من جنده، ونشبت بين الفريقين موقعة شديدة، كانت الدائرة فيها على القشتاليين، فمزقوا شر ممزق، وقتل منهم عدد جم، بينهم دون بيدرو ودون خوان، ورهط كبير من الأمراء والنبلاء والأحبار، وغرق منهم عند الفرار فى نهر شنيل عدة كبيرة، وأسر منهم بضعة آلاف، واستمر القتال والأسر فيهم ثلاثة أيام. وخرج أهل غرناطة فرحين مستبشرين، يجمعون الأسلاب والأسرى، وظفر المسلمون بغنائم عظيمة، منها مقادير كبيرة من الذهب والفضة. وكان على العموم نصراً مشهوداً أعاد ذكرى الجهاد المجيد. وكان معظم الفضل فى إحرازه يرجع إلى الجند المغاربة وإلى شيوخهم بنى العلاء الذين تزعموا الجيوش الأندلسية، وتولوا قيادتها فى تلك الفترة حسبما أسلفنا. ويعلل ابن خلدون ظهور القادة والجند المغاربة فى ميدان الجهاد بقرب عهدهم بالتقشف والبداوة. ووضع المسلمون جثة الدون بيدرو فى تابوت من ذهب على سور الحمراء تنويهاً بالنصر، وتخليداً لذكرى الموقعة (١).

والواقع أن مملكة قشتالة كانت فى أوائل القرن الرابع عشر فى حالة سيئة، وقد نفدت مواردها من الرجال والأمول، بسبب الحروب والثورات المتواصلة، والمرض والقحط، وكان إسراف البلاط وبذخ الخلائل، واختلاس الموظفين، ومطالب رجال الدين، وجشع الأشراف، تستنفد الأموال العامة، وكانت


(١) راجع فى تفاصيل هذه الموقعة الشهيرة، ابن خلدون ج ٤ ص ١٧٢، وج ٧ ص ٢٥٠؛ والإحاطة ج ١ ص ٣٩٧؛ والمقرى فى نفح الطيب ج ١ ص ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>