للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرصة، فأثخنوا فى الأراضى الإسلامية، واستولوا على ثغر بيره وعدة من الحصون (١).

ولما تفاقم عيث النصارى آثر السلطان التفاهم مع الخوارج عليه، وعقدت بينهما الهدنة على أن يستقروا بوادى آش باسمه وتحت طاعته. وتولى تدبير الأمور بعد مقتل ابن المحروق، الحاجب أبو النعيم رضوان النصرى، فهدأت الفتنة واستقرت الأمور نوعاً. ولكن ابن الأحمر كان يتوجس شراً من اضطراب الأحوال فى مملكته ومن تربص النصارى بها، ورأى أن يتجه بصريحه إلى بنى مرين مرة أخرى، وكانت العلائق يومئذ على صفائها بين غرناطة وفاس. وكان بنو مرين حينما شغلوا بشئونهم الداخلية قد تركوا الجزيرة وحصونها لابن الأحمر (سنة ٧١٢ هـ)، فلما اشتدت وطأة النصارى على غرناطة، عاد ابن الأحمر فنزل عن الجزيرة إلى ملك المغرب السلطان أبى سعيد (سنة ٧٢٩ هـ)، لتكون رهينة ومنزلا للأمداد المرجوة من وراء البحر؛ ولكن النصارى استولوا على معظم حصونها، وأضحى طريق الجواز ولاسيما بعد ضياع جبل طارق عسيراً محفوفاً بالمخاطر. وعبر ابن الأحمر البحر فى أواخر سنة ٧٣٢ هـ إلى عدوة المغرب، وقصد إلى فاس مستنجداً بملك المغرب، السلطان أبى الحسن على بن عثمان بن أبى يعقوب المرينى، فاستقبله السلطان بمنتهى الحفاوة، وشرح له ابن الأحمر ما انتهت إليه شئون الأندلس، وما ترتب على سقوط جبل طارق من قطع صلة الوصل بين المملكتين، ورجاه الغوث والعون.

والواقع أن استيلاء النصارى على جبل طارق فى سنة ٧٠٩ هـ (١٣١٠ م) كان أعظم نكبة منيت بها الأندلس منذ سقوط قواعدها الكبرى. وقد شعرت حكومة غرناطة بفداحة النكبة، وازداد منذ وقوعها توجسها من المستقبل. ولقد أتيح لنا أن نزور هذه الصخرة الهائلة، وأن نشهد مبلغ روعتها ومنعتها. وكان المسلمون قد جددوا تحصيناتها فى منتصف القرن السادس الهجرى حينما عبر إليها خليفة الموحدين عبد المؤمن بن على (٥٥٥ هـ)، وأسماها جبل الفتح، وأمر بتجديد حصنها الذى ما يزال قائماً حتى اليوم فوق الصخرة من ناحيتها الشمالية. وكان سلطان غرناطة يتوق إلى استرداد هذا المعقل المنيع درع مملكته من الجنوب. وكان السلطان أبو الحسن مشغوفاً بالجهاد واستئناف ما تصرم من أسبابه. وكان فوق اضطرامه بعاطفة الجهاد، يرى خطر اسبانيا النصرانية يلوح داهماً ليس على الأندلس فقط،


(١) الإحاطة ج ١ ص ٥٤٤. وبيره Vera بلدة حصينة تقع فى شمال شرقى ولاية ألمرية على مقربة من البحر.

<<  <  ج: ص:  >  >>