للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبل طارق وهما الجزيرة وطريف فى أيدى النصارى، ولم يبق فى يد المسلمين سوى جبل طارق تؤدى مهمة الوصل بين المغرب والأندلس.

وكانت هذه الأحداث الخطيرة التى وقعت بالأندلس بين النصارى والسلطان أبى الحسن، موضوعاً لمكاتبات سياسية، بين بلاط مراكش وبلاط القاهرة. وكان ثمة بين ملوك مصر والمغرب منذ قيام دولة بنى مرين سفارات ومكاتبات ودية متصلة. ففى سنة ٧٣٩ هـ أرسل السلطان أبو الحسن إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر والشام، سفارة من بعض أكابر دولته، وبرفقتهم والدة أخت السلطان الأميرة الحرة تريد الحج، ومعهم هدية فخمة من عتاق الخيل ونفيس المتاع والحلى قدرت بأكثر من مائة ألف دينار، ومصحف كتبه السلطان بيده، وزين بماء الذهب ووضع فى إطار فخم من الأبنوس والصندل، ليودع فى الحرم الشريف، فاستقبلهم الملك الناصر بالقاهرة أعظم استقبال وجهزهم بكل ما يلزم، وأرسل إلى ملك المغرب هدية جليلة (١). ثم عاد السلطان أبو الحسن، فكتب على أثر هزائمه أمام النصارى فى البر والبحر، إلى سلطان مصر الملك الصالح بن الملك الناصر بن قلاوون، كتاباً ينوه بما كان بينه وبين والد السلطان من رسائل الود، ويبسط له ما وقع من استغاثة أهل الأندلس به وإعداده الأساطيل لقتال النصارى، ثم مفاجأة النصارى لسفنه فى البحر بأساطيل قوية، وزحفهم على الجزيرة الخضراء ومحاولة إنجادها عبثاً، ومعاونته لصاحب الأندلس بالمال والرجال، واستطالة الحرب ونفاد الأقوات، واضطراره إلى عقد الصلح مع النصارى على تسليم الجزيرة، وما فتحه الله من أخذ جبل طارق قبل ذلك، وأنه ما زال يتأهب للجهاد بعد عوده. وقد كتب هذا الكتاب فى صفر سنة ٧٤٥ هـ (١٣٤٤ م).

ورد ملك مصر على كتاب ملك المغرب، فى رمضان سنة ٧٤٥ هـ، بكتاب رقيق يبدى فيه أسفه على سقوط الجزيرة الخضراء، ويعزيه عن فقد أسطوله وما نزل به من هزائم، ويقول إن الحرب سجال، وإن فى سلامته الكفاية، وإن الله قد يمن عليه بالظفر مرة أخرى، ويبدى اغتباطه لاستيلاء السلطان على ثغر جبل طارق (٢).


(١) المقريزى فى السلوك فى دول الملوك ج ٢ ص ٤٤٧ و ٤٤٨، ويصف المقريزى الأميرة الحرة بابنة السلطان؛ وابن خلدون ج ٧ ص ٢٦٤.
(٢) لم ينقل إلينا القلقشندى فى صبح الأعشى نص هذين الكتابين. ولكن نقلهما إلينا المقرى فى نفح الطيب ج ٢ ص ٥٣٩ - ٥٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>