للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعُدد والأقوات. ويصف لنا ابن بطوطة بعد ذلك ثغور الأندلس وقواعدها الأخرى التى طاف بها يومئذ، مثل رندة ومربلة ومالقة وبلش، وما شاهده فيها من الخيرات والصناعات الفريدة، ولاسيما صناعة الخزف بمالقة، ثم يعرج على غرناطة وينعتها بعروس الأندلس، ويصف لنا رياضها وبساتينها الغراء، ويشير إلى ملكها فى عهد دخوله إياها، وهو السلطان أبو الحجاج يوسف، ولم يوفق يومئذ إلى لتائه لمرض ألمّ به.

وتدلى أوصاف ابن بطوطة بأن الأندلس كانت يومئذ، بالرغم من توالى غارات النصارى عليها وعيثهم فى ربوعها، بلاداً زاهرة نضرة، تزخر بالخيرات والنعم، وتموج بالملايين من سكانها النشطين الأذكياء، وصناعاتها الممتازة، وتحتشد فيها جمهرة كبيرة من العلماء والفقهاء والكتاب والشعراء مما يدل على أنها كانت فى هذا العصر تجوز أيضاً نهضة أدبية زاهرة (١). ولا غرو فقد كان هذا العصر هو الذى سطع فيه نجم ابن الخطيب أعظم كتاب الأندلس وشعرائها فى المائة الثامنة، وبلغ فيه الشعر والترسل يومئذ ذروة الروعة والبهاء.

واستمر أبو الحجاج يوسف فى الحكم بضعة أعوام أخرى، ساد فيها السلام والأمن، ولكنه ما لبث أن قتل غيلة أثناء صلاته بالمسجد الأعظم فى يوم عيد الفطر سنة ٧٥٥ هـ (أكتوبر سنة ١٣٥٤ م)، قتله مخبول لم يفصح عن بواعثه وأغراضه، فمزق وأحرق بالنار على الأثر (٢). وكان مقتله وهو فى السابعة والثلاثين فى عنفوان فتوته ومجده. ويصف لنا ابن الخطيب، وقد كان من شهود هذا المنظر المؤسى، مقتل السلطان، فى قوله من رسالة بعث بها إلى السلطان أبى عنان ملك المغرب" ولم يرعه وقد اطمأنت بذكر الله تعالى القلوب، وخلصت الرغبات إلى فضله المطلوب، إلا شقىّ قيضه الله تعالى لسعادته، غير معروف ولا منسوب، وخبيث لم يكن بمعتبر ولا محسوب، تخلل الصفوف المعقودة، وتجاوز الأبواب المسدودة، وخاض الجموع المحشودة، ولا تدل العين عليه شارة ولا بزة، ولا تحمل على الحذر من مثله أنفة ولا عزة، وإنما هو خبيث ممرور وكلب عقور، وآلة مصرفة لينفذ بها قدر مقدور، فلما طعنه وأثبته وأعلق به شرك الحين، فما أفلته حتى قبض عليه من الخلصان الأولياء، من خير ضميره وأحكم تقريره، فلم يجب عند الاستفهام


(١) راجع رحلة ابن بطوطة (مصر) ج ٢ ص ١٨٣ - ١٨٨.
(٢) اللمحة البدرية ص ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>