للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عرش غرناطة. وكان أميراً بارع الخلال، وافر الفروسية، يعشق الآداب والفنون، وكان يحاول اكتساب محبة الشعب، بفيض من الحفلات ومباريات الفروسة، ولكنه لم يوفق إلى إخماد الدسائس والفتن المستمرة. وكان بنو سراج ألد خصومه وأشدهم مراسا، فمال عليهم وطاردهم وعوّل على سحقهم، واستئصال نفوذهم القوى المتغلغل فى أنحاء المملكة، وغادر يوسف بن سراج غرناطة مع عدد كبير من السادة والفرسان من أفراد أسرته، تفاديا لانتقام "الزغير" وبطشه، وسار أولا إلى ولاية مرسية ثم سار إلى إشبيلية ملتجئاً إلى حماية ملك قشتالة خوان الثانى، فرحب بهم وأكرم وفادتهم. واتفق يوسف بن سراج مع ملك قشتالة على العمل لرد السلطان الأيسر إلى العرش. واستدعى الأيسر من تونس فلبى الدعوة، وزوده السلطان أبو فارس بفرقة من الفرسان، وهدايا ثمينة لملك قشتالة، ونزل الأيسر فى عصبته فى ثغر ألمرية، حيث استقبله الشعب بحفاوة، ونودى به ملكا. ونمى الخبر إلى الزغير، فأرسل بعض قواته لمقاتلة الأيسر والقبض عليه، ولكن معظم جنده انضموا إلى الأيسر، وسار الأيسر بعد ذلك إلى وادى آش حيث يحتشد أنصاره، ثم زحف على غرناطة فى قوة كبيرة، ورأى محمد الزغير أنصاره ينفضون من حوله تباعا، بيد أنه امتنع فى عصبته القليلة بقلعة الحمراء، معتزما الدفاع عن ملكه. ودخل الأيسر غرناطة، واستقبل بحماسة وأعلن ملكاً، وحاصر الحمراء بشدة فسلمها إليه أنصار الزغير، وفى رواية أن الأيسر قبض على الزغير وقطع رأسه، وقبض على أولاده وأهله، وفى رواية أخرى أنه قبض عليه، واعتقله هو وأخاه الأمير أبا الحسن على بن يوسف فى قلعة شلوبانية الحصينة وهى سجن الدولة الرسمى فى عهد بنى نصر. وهكذا انتهت مغامرة الزغير على هذا النحو المؤسى بعد أن حكم عامين وبضعة أشهر (سنة ١٤٣٠ م) (١).

ونظم السلطان الأيسر الأمور، وأعاد يوسف بن سراج إلى الوزارة،


= الصغير". والواقع أنه "زغير" هى النطق العامى الأندلسى لكلمة "صغير": Dozy: Supp. aux Dict. Arabes Vol. I. p. ٥٩٥ وذكر كوندى أن الزغير معناها السكير: Condé ibid. V. III. p. ١٨٢.
(١) Lafuente Alcantra: ibid ; V. III. p. ١٢١ & ١٢٢ ; Condé ; ibid.; V. III. p. ١٨٤ & ١٨٥. وراجع أيضاً مقال الاستاذ سيكودى لوثينا المعنون Las Campanas de Castilla contra Granda en el amo ١٤٣١ المنشور فى مجلة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد (المجلد الرابع) ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>