للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرسل إلى ملك قشتالة خوان الثانى فى تجديد الهدنة، فبعث إليه سفيره كونثالث دى لونا واشترط لتجديدها أن يؤدى الأيسر ما أنفقه بلاط قشتالة فى سبيل استرداد عرشه، وأن يؤدى فوق ذلك جزية سنوية ضخمة اعترافاً منه بطاعة قشتالة، وأن يفرج عن سائر الأسرى النصارى الموجودين ببلاده، فرفض الأيسر وهدد ملك قشتالة بالحرب. وبعث خوان الثانى كذلك سفراءه ومعهم هدايا نفيسة إلى أبى فارس الحفصى سلطان تونس، وإلى سلطان فاس عبد الحق بن عثمان المرينى يرجو كلا منهما أن يبتعد عن التدخل فى شئون غرناطة، فوعد كلاهما بتحقيق رغبته. وما كادت تنتهى الفتنة الداخلية التى كانت يومئذ ناشئة فى قشتالة، حتى أغار القشتاليون فى قواتهم من قرطبة وجيان وإستجه على أراضى المسلمين، وقصدوا إلى أحواز رندة، فهرع الأيسر إلى لقائهم، واستطاع أن يردهم فى البداية، ولكن ملك قشتالة قدم بعدئذ بنفسه فى قوات كبيرة، وزحف على حصن اللوز وأرشدونة، وعاث فى تلك المنطقة، ثم عاد إلى قرطبة ومعه كثير من السبى والغنائم (١٤٣١ م).

وفى أثناء ذلك عاد الأيسر إلى غرناطة، متوجسا من سير الحوادث فيها: وكانت الفتن الداخلية قد عادت تنذر بانقلابات جديدة، وغدا عرش غرناطة مرة أخرى يضطرب فى يد القدر؛ وانقسمت المملكة الإسلامية شيعاً وأحزابا متنافسة متخاصمة، وألفى النصارى فرصتهم السانحة لإذكاء الفتنة، وبسط سيادتهم على مملكة يسودها الضعف والتفرق. وكان خصوم الأيسر قد التفوا حول أمير ينتمى إلى بيت الملك عن طريق أمه، هو أبو الحجاج يوسف بن المول. وكانت أمه ابنة للسلطان محمد بن يوسف بن الغنى بالله، وأبوه ابن المول من وزراء الدولة النصرية. ودبرت مؤامرة جديدة لخلع الأيسر. وكان يوسف أميراً قويا، وافر الثراء والهيبة، وكان ملك قشتالة، خوان الثانى، يعسكر يومئذ بجيشه على مقربة من غرناطة، يتتبع سير الحوادث، ويرقب الفرص. فقصد إليه يوسف، وطلب إليه العون على انتزاع العرش لنفسه، وتعهد بأن يحكم باسمه وتحت طاعته، فلبى ملك قشتالة دعوته، وعقد معه يوسف وثيقة بالخضوع، يقرر فيها أنه من أتباع ملك قشتالة وخدامه، وأنه إذا حصل على الملك، فإنه يتعهد بتحرير جميع الأسرى النصارى، وبأن يدفع لملك قشتالة جزية سنوية قدرها عشرون ألف دينار من الذهب، وأن يعاونه بألف وخمسمائة فارس لمحاربة أعدائه سواء أكانوا نصارى أو مسلمين،

<<  <  ج: ص:  >  >>