للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه النبذ القليلة التى يقدمها إلينا الرحالة المصرى، تلقى ضوءاً حسناً على حوادث مملكة غرناطة فى تلك الفترة الدقيقة من حياتها.

...

وفى حوادث مملكة غرناطة استولى محمد الفاتح عاهل الترك العثمانيين على قسطنطينية (سنة ١٤٥٣ م) وانهار هذا الصرح المنيع، الذى كان يحمى أوربا النصرانية من جهة الشرق، من غزوات الإسلام، وانساب تيار الفتح العثمانى إلى جنوب شرقى أوربا، يكتسح فى طريقه كل مقاومة، وروعت أوربا النصرانية لهذا الخطر الجديد الذى يهدد حريتها وسلامها، وأخذت النزعة الصليبية تضطرم من جديد بقوة مضاعفة. وتردد هذا الصدى فى اسبانيا النصرانية، حيث كانت مملكة غرناطة ما تزال بالرغم من صغرها وضعفها، تمثل صولة الإسلام القديمة فى اسبانيا وقد تغدو فى الغرب نواة لهذا الخطر الإسلامى الداهم، الذى بدت طلائعه فى الشرق على يد الغزاة الترك، ومن ثم فقد كان طبيعياً أن تجيش اسبانيا النصرانية بفورة صليبية جديدة، وأن يذكى هذا الخطر الجديد، اهتمامها بالقضاء على مملكة غرناطة. وبالرغم مما كانت تجوزه مملكة غرناطة يومئذ من فتن داخلية، وما كان يفت فى قواها من عوامل الإنحلال السياسى والاجتماعى، فقد كانت تعتبر دائماً فى نظر اسبانيا النصرانية عدواً داخلياً له خطره. وكان أشد ما تخشاه اسبانيا النصرانية أن تغدو غرناطة قاعدة لفورة جديدة من الغزو الإسلامى تنساب من وراء البحر، كما حدث فى الحقبة الأخيرة غير مرة. والحقيقة أن حياة هذه المملكة الإسلامية الصغيرة، قد استطالت أكثر مما كانت تقدره اسبانيا النصرانية.

وكانت مملكة قشتالة فى تلك الآونة بالذات تشغل بمنازعاتها الداخلية، ومضى زهاء ربع قرن آخر قبل أن تتحد اسبانيا النصرانية فى مملكة قوية موحدة. وقد كانت خلال الأحداث التى توالت عليها فى تلك الفترة، تجيش دائماً بنزعتها الصليبية المأثورة. فلما تحققت الوحدة واستقرت الأحوال واجتمعت الموارد، أخذت فرصة القضاء الأخير على المملكة الإسلامية الصغيرة، تبدو لخصيمتها القوية اسبانيا النصرانية، فى الأفق قوية سانحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>