للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونشبت بين الفريقين معركة شديدة، وكان القشتاليون بقيادة الكونت دى قبره ْالظافر فى موقعة اللسَّانة، وكادت الدائرة تدور فى البداية على المسلمين، ولكنهم بذلوا جهد المستميت بقيادة أميرهم الباسل، وانتهت المعركة بأن رد النصارى بخسائر فادحة فى الرجال والعُدد (شعبان سنة ٨٩٠ هـ - يوليه ١٤٨٥ م)، وعاد الأمير وجنده إلى غرناطة فرحين مستبشرين (١).

ولكن كان من سوء الطالع، أنه لم يمض قليل على ذلك، حتى نشبت فى غرناطة حرب أهلية جديدة. وكان الملكان الكاثوليكيان قد أطلقا سراح أبى عبد الله فى تلك الآونة بالذات، بعد أن وقع على معاهدة الخضوع والطاعة حسبما تقدم. والواقع أن الحرب الأهلية، كانت تضطرم فى الأندلس خلال أسر أبى عبد الله، وكان الزغل، بعد أن تربع على عرش غرناطة، يحاول استخلاص الأندلس كلها لنفسه. وكان الأمير يوسف أبو الحجاج شقيق أبى عبد الله، قد استقر فى ألمرية يحاول منازعة عمه الزغل. فسار الزغل إلى ألمرية، وثار بها أنصاره، وغلبوا على خصومهم، وفتحوا له أبواب المدينة، وقتل يوسف أثناء ذلك. ويقال إن قتله كان يوحى من أبيه أبى الحسن أو عمه الزغل. وما كاد الزغل يعود إلى غرناطة، حتى اضطرمت الفتنة من جديد. وكان أبو عبد الله حينما أطلق سراحه، قد سار إلى بعض الحصون الشرقية، فقامت بدعوته، ثم سار إلى منطقة بَلِّش (٢) فى شرقى بسطة، وأعلن نفسه ملكاً، وأخذ يبث دعوته، ويشيد بمزايا الصلح المعقود مع ملكى قشتالة، وأنه يضمن للمسلمين الاستقرار والسلم، وأنه يطبق فى سائر الأنحاء التى تدخل فى طاعته.

وكان من الواضح أن اضطرام الفتنة فى غرناطة، فى هذا الوقت بالذات، لم يكن بعيداً عن وحى أبى عبد الله وحزبه، وقام أهل ربض البيّازين، وهو حىّ غرناطة الشعبى، الواقع فى شمالها الشرقى تجاه مدينة الحمراء، بدعوة أبى عبد الله. وكان أهل البيّازين دائماً، عنصراً من عناصر الإضطراب والشغب، وكان لهم دائماً ضلع بارز فى كل ثورة وفتنة (٣)، وشغل ملك غرناطة أبو عبد الله الزغل، بإخماد


(١) أخبار العصر ص ١٧.
(٢) المقصود هنا بمنطقة بلش بلدتا بلج أو بالاسبانية " بلش الحسناء " Vélez Rubio و " بلش
البيضاء " Vélez Blanco، وكلتاهما تقع على مقربة من الأخرى فى شمال شرقى مدينة بسطة.
(٣) أخبار العصر ص ١٨؛ ونفح الطيب ج ٢ ص ٦١١، وكذلك: Gaspar y Remiro ibid ; p. ٢٣, ٢٤ & ٣٠. ويسمى ربض البيازين بالإسبانية Albaicin، وهو ما يزال قائماً فى موقعه القديم، ومحتفظاً بكثير من معالمه القديمة

<<  <  ج: ص:  >  >>