للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصنع فى مدينة وشقه، وإن كميات عظيمة من القنابل الخاصة بها كانت تصنع فى "جبال قسنطينة" (١). وتحدثنا الرواية الإسلامية المعاصرة عن "البارود" وتقول لنا إن النصارى حينما نشبت الثورة فى ربض البيازين، أمدوا فريقاً من الثوار "بالرجال والأنفاط والبارود" (٢) إذكاء منهم للفتنة بين المسلمين. وهكذا نرى أن الأنفاط التى تنوه الرواية الإسلامية بفتكها بحصون المسلمين وصفوفهم فى معارك غرناطة، إنما هى المدافع بذاتها، وأن تفوّق القشتاليين فى استعمال هذا السلاح، كان له أعظم الأثر فى التعجيل بإخضاع مملكة غرناطة والقضاء عليها.

...

ولنعد إلى قصة الحرب الأهلية فى غرناطة. فقد أثار أهل البيازين كما قدمنا بتحريض من دعاة أبى عبد الله وأمه الأميرة عائشة. والتف معظم الشعب الغرناطى حول أميره أبى عبد الله الزغل، واستمرت المعارك سجالا بين الفريقين مدى أشهر. وفى أثناء ذلك استولى النصارى على لوشة وعلى كثير من الحصون الشمالية الغربية. وسار أبو عبد الله بعد سقوط لوشة مع ملك قشتالة، ولم يمض سوى قليل حتى عاد إلى الأنحاء الشرقية، إلى منطقة بلش، وأخذ يدبر خططه. وفى أوائل شوال سنة ٨٩١ هـ (سبتمبر ١٤٨٦) غادر أبو عبد الله محمد الأنحاء الشرقية، وظهر فجأة فى ربض البيازين، واجتمع حوله أنصاره من الثوار، وأذاع أنه عقد الصلح مع النصارى، وأمده فرناندو حليفه بالرجال والعدد والذخائر والمؤن ومنها الأنفاط (٣)، فزادت الفتنة اضطراماً. وشدد أبو عبد الله الزغل الضغط على أهل البيازين، وبينما هو على وشك تمزيقهم وإبادتهم، إذ بلغه أن ملك قشتالة قد سير قواته إلى مدينة بلش مالقة Vélez Malaga، وذلك فى ربيع الثانى سنة ٨٩٢ هـ (مارس ١٤٨٧) (٤).

وكان طبيعياً أن ينتهز فرناندو الخامس فرصة اشتغال المسلمين بفتنتهم القاضية. وكانت بَلِّش حصن مالقة، وسقوطها يعرض مالقة لأشد الأخطار. وأدرك مولاى الزغل فى الحال أهمية بلش فهرع إليها فى بعض قواته، وترك البعض الآخر لقتال أبى عبد الله وأهل البيازين. ولكن إقدام الزغل وعزمه وشجاعته، واستبسال أهل


(١) Sierra Constantina راجع: Prescott ; ibid; p. ٢٢٣
(٢) راجع أخبار العصر ص ٢٤.
(٣) Gaspar y Remiro: ibid ; p. ٤٢
(٤) أخبار العصر ص ٢٢ - ٢٤؛ ونفح الطيب ج ٢ ص ٦١٢

<<  <  ج: ص:  >  >>