للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلامية الممزقة، يحرمها من كثير من ضروب الإمداد والغوث التى كانت تأتيها من وراء البحر، وكان واضحاً أن ملك قشتالة يرمى إلى قطع هذه الأمداد بكل الوسائل. ولم يكن باقياً بعد ضياع جبل طارق ومالقة، بيد المسلمين من الثغور سوى ألمرية والمنكب، وإليهما كانت تفد جموع المتطوعة والمجاهدين، بالرغم من بعدهما عن شواطىء العدوة، وكان لابد من الاستيلاء عليهما، قبل أن تقطع كل صلة للأندلس نهائياً بعدوة المغرب وشمال إفريقية. وقضى فرناندو قبل تنفيذ هذه الخطة زهاء عام، يعمل على تطهير منطقة مالقة، والاستيلاء على ما بقى من الحصون الشرقية والغربية، حتى استولى عليها جميعاً ولم يبق منها بيد المسلمين شىء. وفى ربيع سنة ١٤٨٨ م (٨٩٣ هـ) زحف فرناندو على أطراف مملكة غرناطة الشرقية، وكانت لبعدها عن العاصمة، أقل استعداداً للدفاع، وانتهت هذه الحملة باستيلاء النصارى على بيرة، والبلشين وأشكر (١) وغيرها من القواعد الشمالية الشرقية، وذلك بالرغم من كون أهلها كانوا داخلين فى الصلح المعقود مع أبى عبد الله، وكان على ملك قشتالة لو أنه أوفى بعهوده، أن يتركهم حتى ينتهى أمد الصلح المذكور (٢). وقد عثرنا على نص العهد الذى أصدره الملكان الكاثوليكيان لأهل أشكر، وهو نموذج للعهود التى صدرت لباقى البلاد المفتوحة فى هذه المنطقة، وفيه يتعهد الملكان، بقبول أهل أشكر بين رعاياهما وتحت حمايتهما، وأن لا يؤخذ شىء من أمتعتهم أو يصيبهم أى مكروه، وألا يدفعوا من الضرائب إلا ما كانوا يؤدونه لملوكهم المسلمين، وألا يرغموا على محاربة إخوانهم مسلمى غرناطة، وأن يسمح لهم باستبقاء زعمائهم وفقهائهم، وعوائدهم وشريعتهم، وأنه يحق لهم الإقامة فى أى جزء من أراضى مملكة قشتالة، كما يحق لهم العبور إلى المغرب أحراراً ودون أى قيد، وأن يعامل السكان جميعاً ذكوراً أو إناثاً، بالرفق والكرامة وألا يغصبهم أحد فى دورهم، أو يسىء إليهم أو يتلف شيئاً من أمتعتهم أو محاصيلهم، وألا يعاشر نصرانى مسلمة، أو مسلم نصرانية، ومن فعل ذلك يعاقب بالموت وتصادر أملاكه، وأن يدفع الكراء العادل لمن يطلب منهم للعمل فى بناء حصن


(١) بيرة وبالإسبانية Vera تقع شمال شرقى ألمرية على مقربة من البحر المتوسط، والبلشان هما بلج أو " بلش الحسناء " Velez Rubio، و " بلش البيضاء " Velez Blanco، وهما تقعان شمالى شرقى مدينة بسطة Baza، وأشكر هى بالإسبانية Huescar تقع شمال غربى البلشين.
(٢) Gaspar y Remiro: ibid ; p. ٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>