للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنشأ له فى أندرش بلاطاً صغيراً. وتقول لنا الرواية القشتالية، إنه كان يعيش هنالك فى ترف ورغد، وإنه كان يعشق الصيد ويقضى فيه كثيراً من أوقاته، ويجوب أطراف مملكته الصغيرة فوق جواده (١).

وكان فرناندو وإيسابيلا، بالرغم من انتصارهما الشامل، وقضائهما الأخير على المملكة الأندلسية، قد لبثا يتوجسان فى أعماق نفسيهما، من بقاء السلطان المخلوع فى الأراضى الإسبانية، ويخشيان أن يكون مثار القلاقل والفتن، ويتوقان إلى إبعاده وحاشيته عنها، مبالغة فى الحيطة، واتقاء لكل خطر، وكان يفرضان على أبى عبد الله رقابة صارمة، ويتلقيان أدق التقارير والأنباء، عن حركاته وسكناته، وكانت عينهما الساهرة على رقابته، الوزيران الماكران يوسف بن كماشه وأبو القاسم عبد الملك (٢). ولم يمض على إقامة أبى عبد الله فى أندرش زهاء عام، حتى بدأ الملكان الكاثوليكيان يسعيان سرًّا، فى تحقيق غايتهما الأخيرة، وكان سبيلهما إلى ذلك أيضاً ابن كماشه وأبا القاسم. ففى مارس سنة ١٤٩٣ وقعت مفاوضات جديدة بين الوزيرين، وبين فرناندو دى ثافرا أمين الملكين الكاثوليكيين، فى شأن مغادرة أبى عبد الله الأراضى الإسبانية، والعبور إلى المغرب. ويقال إن أبا عبد الله لم يأذن لوزيريه فى إجراء هذه المفاوضات، ولم يعلم بأمرها حتى تمخضت عن مشروع جديد، يقرر فيه أبو عبد الله بتنازله عن جميع حقوقه وأملاكه، نظير ثمن معين، ويتعهد بالعبور إلى المغرب. ويقال إن الملك المنكود، حينما عرض عليه ابن كماشة هذا الاتفاق، ثار لعقده، وكاد يبطش بوزيره، ولكنه عاد فاستمع إلى شرح الوزير ونصحه، بأن البقاء فى أرض العدو، وفى ظل العبودية والهوان، لم يبق له محل، وأنه ليس مكفول السلامة والطمأنينة، وأن العبور إلى أرض الإسلام خير وأبقى. هذا ولعل أبو عبد الله نفسه قد أدرك، كما أدرك عمه مولاى الزغل من قبل، أن تلك الحياة الذليلة التى فرضت عليه، لا تخلق به ولا تجمل، وأنه يستحيل عليه البقاء فى هذا الوضع المؤلم، كتابع لملك قشتالة. وعلى أى حال فقد اقتنع أبو عبد الله، بوجهة نظر وزيره. ولكنه أرسل أمينه ومدير شئونه أبا القاسم عبد الملك (المليخ)، ليسعى إلى تعديل الاتفاق لمصلحته. وبعد مفاوضات جديدة، وضع الاتفاق النهائى، الذى قبله السلطان


(١) Lafuente Alcantara: ibid; V. III. p. ٨٠
(٢) Lafuente Alcantara: ibid; V. III. p. ٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>