للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وافتتحوا رومة ونهبوها (سنة ٤١٠ م). ولكن زعيمهم ألاريك توفي في نفس هذا العام فارتدوا إلى الشمال. ثم عقدوا الصلح مع الإمبراطور، واندمجوا في الجيش الإمبراطوري، وقاموا بقمع الثورات المحلية في غاليا أو غاليس (١) (جنوبي فرنسا) وشمالي اسبانيا، ثم استقروا في أواسط فرنسا وجنوبها، فيما بين نهري اللوار والجارون، واتخذوا تولوز (تولوشة) عاصمة لهم. وأقطع الإمبراطور ملكهم " فاليا " حكم هذا القطر، وقامت بذلك مملكة قوطية تابعة للدولة الرومانية. وعاون القوط الدولة على محاربة الوندال والآلان والسوابيين (٢)، وعاونها بالأخص ملكهم تيودريك الأول ولد ألاريك، على هزيمة آتيلا التتري وبرابرته الهون في موقعة شالون (سنة ٤٥١ م). ثم عبر خلفه وأخوه تيودريك الثاني إلى اسبانيا، لانتزاعها من الوندال والسوابيين المتغلبين عليها، مشترطاً على الدولة أن يحتفظ بما يفتتحه من اسبانيا لنفسه ولعقبه. وحارب الوندال والسوابيين وهزمهم (سنة ٤٥٦ م)، وافتتح اسبانيا ما عدا ركنها الشمالي الغربي (جليقية)، الذي استعصم به الوندال حيناً. ولم تأت نهاية القرن الخامس حتى ملك القوط شبه الجزيرة كلها، وامتد ملكهم من اللوار إلى شاطىء اسبانيا الجنوبي. ولكن الفرنج غزوهم من الشمال، وأجلوهم عن فرنسا في أعوام قلائل، فاستقروا في اسبانيا، واتخذوا طليطلة دار ملكهم، ووضعوا لمملكتهم الجديدة نظماً وقوانين خاصة، تتأثر بروح الحضارة والأنظمة الرومانية؛ وكانوا أيضاً قد اعتنقوا النصرانية منذ أواخر القرن الرابع، كما اعتنقها الوندال وغيرهم من الشعوب البربرية، التي تقاسمت تراث رومة وأملاكها. ولبث القوط زهاء قرنين سادة لإسبانيا حتى الفتح الإسلامي (٣).


(١) هكذا يسميها ابن الأثير. ويسميها البكري، " بلاد غاليش " وهو اسمها الروماني: La Gaule
(٢) ويبدي ابن خلدون دقة في تسمية هؤلاء البربر، فيسميهم " القندلس والآبيون والشوابيون " (ج ٢ ص ٢٣٥).
(٣) يقدم المؤرخون المسلمون عن تاريخ اسبانيا قبل الفتح الإسلامي روايات غامضة أكثرها خرافي. ولكن بعضها يقترب من التاريخ. فابن الأثير مثلا يشير في روايته عن القوط إلى غزوهم لمقدونية ومحاربة قسطنطين الأكبر لهم. ثم يذكر زعيمهم " ألريق " (ألاريك) وكيف غزا رومة، وكيف استقر القوط أولا في غاليس (أى غاليا) ثم انتقلوا إلى اسبانيا. غير أنه يذكر ثبت ملوكهم=

<<  <  ج: ص:  >  >>