الدون هرناندو دى براداس، واتفق فى النهاية على أن يتقدم الحبقى إلى الدون خوان بإعلان خضوعه، وطلب العفو لمواطنيه، فيصدر العفو العام عن الموريسكيين، وتكفل الحكومة الإسبانية حمايتها لهم أينما ارتأت مقامهم. وفى ذات مساء سار الحبقى فى سرية من فرسانه إلى معسكر الدون خوان فى أندرش، وقدم له الخضوع وحصل على العفو المنشود.
ولكن هذا الصلح لم يرض بالأخص مولاى عبد الله وباقى الزعماء، لأنهم لمحوا فيه نية اسبانيا النصرانية فى نفيهم ونزعهم عن أوطانهم، ففيم كانت الثورة إذاً وفيم كان النضال؟ لقد ثار الموريسكيون لأن اسبانيا أرادت أن تنزعهم لغتهم وتقاليدهم، فكيف بها إذ تعتزم أن تنزعهم ذلك الوطن العزيز، الذى نشأوا فى ظلاله الفيحاء، والذى يضم تاريخهم وكل مجدهم وذكرياتهم؟ أنكر الموريسكيون ذلك الصلح المجحف، وارتاب مولاى عبد الله فى موقف الحبقى، إذ رآه يروج لهذا الصلح بكل قواه، ويدعو إلى الخضوع والطاعة للعدو، فاستقدمه لمعسكره بالحيلة وهنالك أعدم سراً.
ووقف الدون خوان على ذلك بعد أسابيع من الانتظار والتريث، وبعث رسوله إلى مولاى عبد الله، فأعلن إليه أنه يترك الموريسكيين أحراراً فى تصرفاتهم. بيد أنه يأبى الخضوع ما بقى فيه رمق ينبض، وأنه يؤثر أن يموت مسلماً مخلصاً لدينه ووطنه، على أن يحصل على مُلْك اسبانيا بأسره. والظاهر أن مولاى عبد الله كانت قد وصلته أمداد من المغرب شدت أزره وقوّت أمله، وعادت الثورة إلى اضطرامها حول رندة، وأرسل مولاى عبد الله أخاه الغالب ليقود الثوار فى تلك الأنحاء، وثارت الحكومة الإسبانية لهذا التحدى، واعتزمت سحق الثوار بما ملكت، فسار الدون خوان فى قواته إلى وادى آش، وسار جيش آخر من غرناطة بقيادة دون ركيصانص إلى شمال البشرّات، وسار جيش ثالث إلى بسائط رندة، واجتاح الإسبان فى طريقهم كل شىء، وأمعنوا فى التقتيل والتخريب، وعبثاً حاولت السرايا الموريسكية أن تقف فى وجه هذا السيل فمزقت تباعاً، وهدم الإسبان الضياع والقرى والمعاقل، وأتلفت الأحراش والحقول، حتى لا يبقى للثائرين مثوى أو مصدر للقوت، وأخذت الثورة تنهار بسرعة، وفر كثير من الموريسكيين إلى إخوانهم فى إفريقية، ولم يبق أمام الإسبان سوى مولاى عبد الله وجيشه الصغير. بيد أن مولاى عبد الله لبث معتصما بأعماق الجبال، يحاذر الظهور أمام هذا السيل الجارف