للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزعماء الموريسكيون فى البحر خير بلاء، وكانوا خير مرشد لإحكام الغارات البحرية على الشواطىء الإسبانية، ومضاعفة عصفها وعيثها.

ووقعت فى سنة ١٦٠٢ غارة كبيرة، قام بها بحار مغامر يدعى مراد الريس على مدينة لورقة الواقعة غرب قرطاجنة على مقربة من الشاطىء، وحمل عدداً من الأسرى؛ وكثرت الغارات فى الأعوام التالية على الشاطىء الجنوبى، وظهر فيما بعد أن منظمها بحار إنجليزى مغامر، يحشد فى سفنه نواتية من المغاربة، وكان يعيث فى الشواطىء ألأندلسية ويقتنص الأسرى النصارى، ويبيعهم عبيداً فى أسواق المغرب.

وكانت ثغور تونس فى ذلك الوقت نفسه، فى أيام حاكمها عثمان داى (سنة ١٠٠٧ - ١٠١٩ هـ ١٥٩٨ - ١٦١٠ م)، ملاذاً لطائفة قوية من البحارة المغامرين، كانت تتكرر غاراتهم على الشواطىء الإسبانية بلا انقطاع. وكان من أشهر أولئك البحارة المغامرين يومئذ، عمر محمد باى الذى اشتهر بجرأته وبراعته، وقد قام بعدة غارات جريئة على شواطىء اسبانيا الجنوبية، وكان فى كل مرة يعود مثقلا بالغنائم والسبى (١).

وهكذا لبثت الغارات البحرية عصراً، تزعج الحكومة الإسبانية، وقد زاد عددها واشتد عيثها، بالأخص منذ منتصف القرن السادس عشر؛ وكان هذا غريباً فى الواقع، إذ كانت اسبانيا يومئذ سيدة البحار، وكانت أساطيلها الضخمة، تجوب مياه الأطلنطيق حتى بحر الشمال وجزائر الهند الغربية، وتسيطر على مياه البحر المتوسط الغربية. بيد أنها لم تستطع أن تقمع هذه الغارات الصغيرة المفاجئة، التى كانت تقوم بها على الأغلب جماعات مجاهدة، من القراصنة المغاربة، فى سفن صغيرة، تدفعهم روح من المغامرة والاستبسال، وكان اللوم يلقى فى ذلك دائماً على الموريسكيين، ولاسيما سكان الثغور منهم، فهم الذين يمدون هذه الحملات المغيرة بالمعلومات، ويزودونها بالمؤن والعون، ويعينون لها موضع الرسو والإقلاع، وقد كانت تأتى على الأغلب لمعاونتهم على الفرار إلى ثغور المغرب، وقد كان الموريكسيون بالرغم من اضطهادهم، والتشدد فى مراقبتهم، على اتصال دائم بمسلمى إفريقية وأمراء المغرب جميعاً. لبثت هذه الغارات البحرية عصراً شغلا شاغلا للحكومة الإسبانية لا تجد سبيلا إلى قمعها أو التخلص من آثارها. وكان اقترانها خلال القرن السادس عشر بنضال


(١) كتاب المؤنس فى أخبار إفريقية وتونس ص ١٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>