للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غامضة. وكان التنصر قد عم الموريسكيين يومئذ، وغدا أبناء قريش ومضر بحكم القوة والإرهاق، نصارى يشهدون القداس فى الكنائس، ويتكلمون ويكتبون القشتالية، غير أنهم لبثوا مع ذلك فى معزل، وأبت اسبانيا النصرانية، بعد أن فرضت عليهم دينها ولغتها ومدنيتها، أن تضمهم إلى حظيرتها القومية. وكانت ما تزال ثمة منهم جموع كبيرة فى بلنسية ومرسية وغرناطة، وغيرها من القواعد الأندلسية القديمة، وكانوا ما يزالون رغم العسف والإرهاق، والاضطهاد والتشريد والذلة، قوة أدبية واجتماعية خطيرة، وعنصراً بارزاً فى إنتاج اسبانيا القومى، ولاسيما فى الصناعات والفنون. ولكن السياسة الإسبانية كانت تخشاهم بالرغم من ضعفهم وخضوعهم، بعد أن فشلت بوسائلها الهمجية البغيضة فى كسب محبتهم وولائهم. وكان ديوان التحقيق من جهة أخرى، ومن ورائه الأحبار والكنيسة، يعتبرهم بالرغم من تنصرهم، أبدا وصمة فى نقاء النصرانية، ويتصور الإسلام دائماً يجرى كالدم فى عروقهم.

وقد تضاربت آراء الساسة والأحبار الإسبان، فى شأن الخطوة الحاسمة التى يجب اتخاذها، للقضاء على خطر الموريسكيين. ورأى بعض أكابر الأحبار أن خطر الموريسكيين لا يزول إلا بالقضاء على الموريسكيين أنفسهم. وكان مما اقترحه المطران ربيرا أن يقضى عليهم بالرق، وأن يؤخذ منهم كل عام بضعة آلاف للعمل فى السفن ومناجم الهند، حتى يتم إفناؤهم بهذه الطريقة، وذهب البعض الآخر إلى وجوب قتل الموريسكيين دفعة واحدة، أو قتل البالغين منهم، واسترقاق الباقين وبيعهم عبيداً، وكان مما اقترحه بعض وزراء فيليب الثانى أن يجمع الموريكسيون، ويحملوا على السفن ثم يغرقوا فى عرض البحر (١). واستمرت السياسة الإسبانية حينا تتلمس المخرج وسط هذه الحلول الهمجية، حتى توفى فيليب الثانى (سنة ١٥٩٨) وخلفه ولده فيليب الثالث. وكان هذا الملك الفتى، ضعيف الرأى والإرادة، يتأثر كأبيه بنفوذ الأحبار، ويخضع لوحى وزيره وصفيه الدوق دى ليرما. وكان الدوق من أشد أنصار فكرة القضاء على الموريسكيين، وقد أشار بها منذ سنة ١٥٩٩، ووضع لتنفيذها مشروعاً، خلاصته أن الموريسكيين إنما هم عرب، ويجب أن يعدم الشبان والكهول منهم، ما بين الخامسة عشرة والستين، أو أن يسترقوا ويرسلوا للعمل فى السفن، وتنزع أملاكهم. أما الرجال والنساء الذين جاوزوا الستين،


(١) Dr. Lea: The Moriscos, p. ٢٩٦-٢٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>