بينما يتناقص عدد النصارى القدماء. وبحثت تفاصيل المشروع ووسائله، وما يجب اتخاذه من التحوطات لضمان تنفيذه، خصوصاً وقد بدأت أنباء المشروع تتسرب إلى الموريسكيين، وظهرت بينهم أعراض الهياج فى سرقسطة وبلنسية. وكانت الخطوة التالية أن عُهد بدرس المشكل كله، إلى لجنة خاصة على رأسها الدوق دى ليرما، ووضعت هذه اللجنة أسس المشروع التمهيدية بعد كبير جدل، وخلاصتها أن يمنح الموريسكيون شهراً لبيع أملاكهم ومغادرة اسبانيا إلى حيث شاءوا، فمن جاز منهم إلى إفريقية منح السفر الأمين، ومن جاز إلى أرض نصرانية أوصى به خيراً، ومن تخلف عن الرحيل بعد انقضاء هذه المدة، عوقت بالموت والمصادرة؛ ولم يعترض أحد على هذه الأسس فى ذاتها، على أن هذه الأسس الرفيقة نوعاً لم يؤخذ بها.
وفى يناير سنة ١٦٠٩ بحث مجلس الدولة المسألة لآخر مرة، وقدم تقريراً ينصح فيه بوجوب نفى الموريسكيين، لأسباب دينية وسياسية فصّلها، وأهمها تعرض اسبانيا يومئذ خطر الغزو من مراكش وغيرها، وقيام الأدلة على أن الموريسكيين جميعاً خونة مارقون، يستحقون الموت والرق، ولكن اسبانيا تؤثر الرفق بهم، وتكتفى بنفيهم من أراضيها. وتقرر أن ينفذ المشروع كله فى خريف هذا العام، وأرسلت الأوامر إلى حكام صقلية ونابولى وميلان، بإعداد جميع السفن الممكنة لنقل الموريسكيين، وجميع القوات اللازمة لحراستهم، واجتمعت منذ أوائل الصيف فى مياه ميورقة، عشرات من السفن المطلوبة، وسارت أهبة التنفيذ بسرعة ونشاط.
وهكذا انتهت السياسة الإسبانية بعد فترة من التردد، إلى اتخاذ خطوتها الحاسمة فى القضاء على البقية الباقية من الموريسكيين، وتحقيق أمنيتها القديمة، فى "تطهير" اسبانيا نهائيا من آثار الإسلام وآثار العرب، ومحو تلك الصفحة الأخيرة لشعب عظيم تالد.
- ٢ -
وفى ٢٢ سبتمبر سسنة ١٦٠٩ أعلن قرار (مرسوم) النفى النهائى للموريسكيين أو العرب المتنصرين، فساد بينهم الروع والاضطراب، وإليك نصوص هذا القرار الشهير فى صحف المآسى والاستشهاد:
يبدأ القرار بالتنويه بخيانة الموريسكيين، واتصالهم بأعداء اسبانيا، وإخفاق كل الجهود التى بذلت لتنصيرهم، وضمان ولائهم، وما استقر عليه رأى الملك من نفيهم جميعاً إلى بلاد البربر (المغرب). وبناء على ذلك فإنه يجب على جميع