للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبقى منهم أحد، حتى ولا نسبة الستة فى المائة التى سمح ببقائها، وأن من بقى منهم اعتبر مرتداً مارقاً. ومع ذلك فقد وقعت ثورات محلية، وتأهبت بعض الجماعات المحتشدة فى المناطق الجبلية للمقاومة، وعاثت فى الأنحاء المجاورة، ولكنها كانت فورة المحتضر، فأخمدت حركاتهم بسرعة وقتل منهم عدد جم.

وتظلم كثير من المدجنين من قرار النفى، وقالوا إنهم اعتنقوا النصرانية طوعاً قبل التنصير الإجبارى، وغدوا نصارى واسبانيين قبل كل شىء، فصدر الأمر إلى الأساقفة ببحث ظلامتهم، وأن يسمح بالبقاء لمن توفرت فيه منهم شروط الولاء والإخلاص (١).

أما الكثرة الساحقة من الموريسكيين فقد هرعت إلى اتخاذ أهبة الرحيل، وأخذوا فى بيع ما تيسر بيعه من المتاع، وتدفقت السلع على الأسواق، من الماشية والحبوب والسكر والعسل والملابس والأثاث وغيرها، لتباع بأبخس الأثمان.

وبدىء بتنفيذ قرار النفى فى الجهات التى نشر فيها أولا، وهى أعمال بلنسية منذ أوائل أكتوبر (سنة ١٦٠٩). وخرجت أول شحنة من هذه الكتلة البشرية المعذبة على سفن الحكومة من ثغر دانية وبعض الثغور القريبة، وقدرت بثمانية وعشرين ألف نفس، حملوا إلى ثغر وهران فى الضفة الأخرى من البحر، وقد كان يومئذ بيد الإسبان، ثم نقلوا إلى تلمسان بحماية فرقة من الجند المرتزقة، وهناك استظلوا بحماية السلطان؛ وعاد البعض منهم إلى اسبانيا ليروى عن رحيل الراحلين، وكيف وصلوا فى أمن وسلام. ومع ذلك فقد آثر معظم المهاجرين السفر بأجر، على سفن غير التى عينتها الحكومة، لنقل المهاجرين وإطعامهم دون أجر، واضطرت الحكومة تلقاء ذلك، أن تستدعى عدداً كبيراً من السفن الحرة، إلى مياه بلنسية، ورحل بهذه الطريقة من ثغر بلنسية زهاء خمسة عشر ألفا، معظمهم من الموسرين والمتوسطين؛ ورحل المنفيون من ثغر لقنت على عزف الموسيقى ونشيد الأغانى، وهم يشكرون الله على العود إلى أرض الآباء والأجداد، ولما سئل فقيه من زعمائهم عن سبب اغتباطهم، أجاب بأنهم كثيراً ما سعوا إلى شراء قارب أو سرقته، للفرار إلى المغرب، مستهدفين لكثير من المخاطر، فكيف إذا عرضت لنا فرصة السفر الأمين مجاناً، لا ننتهزها للعود إلى أرض الأجداد، حيث نستظل بحماية سلطاننا، سلطان الترك، وهنالك نعيش أحراراً مسلمين لا عبيداً كما كنا؟


(١) Dr. Lea: History of the Inquisition in Spain ; Vol. III. p. ٣٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>