للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسبانية، ولا يسمح لهم بأن يحملوا معهم من النقد أو الذهب أو الحلى، إلا ما يكفى ئفقات الرحلة بالبر والبحر. وأما الأملاك العقارية فتصادر لجهة العرش. وقد استقبل الموريسكيون فى الأندلس قرار النفى بالاستبشار والرضى، ويقدر من نزح منهم إلى المغرب، سواء على سفن الحكومة أو السفن الحرة، بنحو مائة ألف نفس، وقد نزح معظمهم إلى مراكش.

ثم توالى إعلان قرار النفى، فى جميع الجهات التى تضم مجتمعات موريسكية، فى سائر أنحاء المملكة الإسبانية. فى قطلونية وأراجون فى مايو سنة ١٦١٠، ثم فى إشبيلية وإسترمادوره، ثم فى مرسية وغيرها. وتأخر تنفيذه فى مرسية نحو أربعة أعوام حتى يناير سنة ١٦١٤، وخرج من مرسية زهاء خمسة عشر ألفاً، واتجهت جموع كثيرة من الشمال إلى الثغور الجنوبية.

واتجهت بعض الجماعات منهم إلى الثغور الإيطالية مباشرة، أو عن طريق فرنسا، ومنها أبحرت إلى مصر والشام وقسطنطينية (١). وبلغ السلطان أحمد سلطان الترك، ما أصاب الكثير منهم فى أرض فرنسا من الاعتداء والنهب، فأرسل إلى ملكتها (وهى يومئذ مارى دى مديتشى الوصية على ولدها لويس الثالث عشر) يحتج على هذا الإيذاء، ويطلب حماية المنفيين (٢). وكان بين هؤلاء الذين اتجهوا نحو المشرق، بعض طوائف اليهود الأندلسيين، ولاسيما طائفة "الحسديم" التى مازالت تقيم حتى اليوم فى قسطنطينية، ويقيم بعضها فى مصر.

ونفذ قرار النفى فى كل مكان بصرامة ووحشية، واستمرت السفن شهوراً بل أعواماً تحمل أكداساً من تلك الكتلة البشرية المعذبة، فتلقى بها هنا، وهنالك، فى مختلف الثغور الإفريقية، فى غمر من المناظر المروعة المفجعة.

وقد رويت روايات كثيرة محزنة عن مصير بعض جماعات المنفيين، فإن للذين نزلوا منهم فى وهران ليسيروا منها إلى داخل البلاد المغربية، اعتدت عليهم بعض العصابات الناهبة، لما كان معروفاً من أنهم يحملون أموالا وحلياً نفيسة، وسبى كثير من نسائهم. وقد كان منهم فى الواقع كثير من الأغنياء والأشراف القدماء، ولاسيما من أهل إشبيلية، وكتب الكونت أجيلار حاكم وهران، أن كثيرين منهم بقوا فى وهران، خوفاً من اعتداء الأعراب، وقيل إن ثلثى القادمين إلى وهران


(١) المقرى فى نفح الطيب ج ٢ ص ٦١٧.
(٢) Dr. Lea: The Moriscos ; p. ٣٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>